أتدري شيئًا عن السحر المعقود في نواصيه الخير؟
ذلك الذي إذا نزل بالقلب؛ جاس خلال جدرانه، ونفث في جلموده، فبعث المشاعر من مرقدها، والكمال من أجداث العجز وأسمال النكران، وأيقظ الجود من سباته، وسبر أغوار المشاعر، من أدركه، فقد نال كمال الإيمان، وسيق إلى مورد التقوى والإحسان، ومن فاز به فقد فاز بالجنة كما قال عمرو بن ميمون: "البر إلى الجنة"
يعني: من رزق البر في أعماله فاز بالجنة.
فالبر أن تُولي قلبك شطر الصدق وترشف من زلاله، وتلف عقلك بعمامة الإيمان وتنهل من أصوله، فيزمزم شتاتك ويعاد إليك زمام اتزانك.
أن تزود إرثك القلبي بثروة من اليقين يتغذى عليها طيلة حياته، وينفقها حبًا ورواءً عذبًا سلسبيلًا لكل عابر.
البر، أن تنفق الحب في أطباق من الدفء والإيثار، وأن تقيم الحياة بالصلاة وتمطر أرضها بالزكاة، وتتعهدها بالوفاء والصبر الجميل، وتفرش شوارعها بالأثر الطيب؛ فتعرفك الأيام، ويباغتك ويضمك صوت الزمان مؤذنًا في قلبك:
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [ البقرة: 177]
فالبر، هو الكنز المصنوع على عين الزمان، المحفور في ذاكرة الأيام، لا يمحوه أمد ولا يمسه نسيان.
وأنت رائع
في كل محنة اضطرم فيها الصراع بين شجرة الخير النابضة بقلبك، ورغبات نفسك المتأججة داخلك، فكبحت جماح نفسك، وقاومت هواها، ورددته على أعقابه مهزوما مفلولًا مدحورًا، ووضأت فورته، وأخمدت لهيبه بقطرات الغيث المنساب من فم الأثر في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
"إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه"
أنت رائع..
في تلك اللحظات التي أقبلت فيها الدنيا عليك وهي ترفل وتتزين بكل ما تتوق إليه نفسك ويتمناه قلبك، فبعته لله حين آثرت غيرك على نفسك، وقبضت أنت على ما عند الله؛ لأنه خير وأبقى.