يقاس العمر بتلك اللحظات التي يتنفس فيها العزم متحررًا من ثياب العوائق والمحال؛ ليطفو على ضفتيّ الواقع ليشتبك مع الحياة، وما سوى ذلك فهي أوراق ساقطة سهوًا من عيون العمر الذاهلة دون هداية إلى مرسى!
وتنتفض الروح حين يستخلصها بياض الحزن من سوءات البلايا،
فتُطعم الآخرين لقيمات الفرج بازخة الصدق، وتمنحهم رشفة من إكسير الفأل الحسن المحلى بالصبر الجميل الكامن في حروف لا تيأسوا
تلك التي نطق بها قلب يعقوب ـ عليه السلام ـ مهدهدًا لقلوب أبنائه وغارسًا في جوانحهم بذور الأمل، ليجنوا في وديان سعيهم ثمار الفرج بشريات، وهو المؤمن القوي، المعتصم باليقين، الآخذ بالأسباب رغم وعثاء سيره مع محنته، والحزن الذي يقذف كآبته في عينيه حتى اعتراها البياض وبلغ منه منتهاه،
لكنه رغم ضراوة حزنه كان ذا عزمٍ شديد، ويقين لا تزلزله فواجع الأقدار، فطمأنهم قائلًا:
(لا تيأسوا من روح الله)
وأنت رائع حين تدبرت أمر حزنك ومحنتك؛ فأعرضت عن الاستناد لمنسأة عجبك بقوتك؛ حتى لا تمسّك لعنة الإخلاد إلى نفسك وهواها، واقتسمته مع بقعة الأمان المؤطرة في حضن الأرض في سجدةٍ ودعاء..
أنت رائع حين أخذت بناصيته إلى ميقات إحرامك بضعفك وانكسارك وافتقارك إلى مولاك في سجدات الليل ورجاءات الأسحار؛ فلم يستطع الحزن أو اليأس أن يجد إلى قلبك سبيلا إلا أن يتأدب في حضرة يقينك؛ ويتلاشى وجوده المتعاظم داخلك، ويرحل إلى حال سبيله مادحًا غير قادحا.