في السابعة نقاءً بتوقيت عروج الروح إلى المأوى،
في أرض خالية من الزمن وأفعال البشر، شاسعة كعرض السماء، سامقة لا نهاية لها ولا منتهى، ترابها يفوح منه المسك والزعفران الخالص من الزبد والزيف؛ فينتشي قلب وروح كل من قُدِر له أن يطأ ثراها.
ترفل (حور) في جلالٍ وبهاء بفستانها الأبيض المزدان بالرقة، يتوج وجهها الملائكي المشرب بالنور حجاب أبيض قصير موشى بالصدق، فأضحت حور كالقمر ليلة البدر،
تحتضن بين يديها كتابًا بهيًا يزن حجم نقاء العالم وصفاء الكون،
تتهادى في غنجٍ ودلال على حصباء الأرض المفروشة باللؤلؤ الكبير والياقوت،
تعانقها نسمات الأنهار الصافية بالعسل المصفى؛ فتبسط يدها في وداعة وتحمل بخفة قطرات من مائه فترتوي ولا تكتفي حتى تنتشي وتثمل من لذته ونقائه ثم تنهض واقفة بحثًا عنه!
عن رفيقٍ أو شبيهٍ أو نبضٍ داخلها يحثها للسير .
تنظر بعينين نضاختين باللهفة والشوق؛ فيعترض طريقها جبلًا لم تره عيناها من قبل،
تتحدث بصوتٍ خفيضٍ يُسكر كل روح فقهت حِسه وكل أذنٍ تحسست صداه:
يا الله!
ما هذا؟
جبلٌ أشبه بالصرح، لبناته ذهب وفضة، يتلألأ منها النور؛ فيسري في روحي وكأنه يألفني وأألفه، كأني هنا منذ زمن!
مدت يدها في انبهار وهدوء، تمسد وجهه المنثور بالدعاء وتمسح عليه برقة؛ فتبرق أمامها آيات ودعوات كما الدر المنثور؛
تضع راحتها على نبضها وتهمس في خفوت بصوتها الممزوج بالدموع :
هذا دعائي!
دعائي عند أول ميثاق لنا، أن نجتمع على الخير ونتآخى في الله ونفترق بالخير،
لكن...
أيناه هو؟!
فانشقت أرض الصدق وتنفس جذع الصبر وتنهد قائلًا:
وأنا صبره الذي دثره هناك وسآويه هنا ولا زلت أنتظره، ثم ابتسم حتى بدت نواجذه!.
رددت حور:
هذا دعائي فأين عهدي بك يا ربي وحسن ظني؟
ثم تنهض بقلبٍ مملوء بالشغف واليقين بحثًا عنه.
يُطرب آذانها همس الريح للشجر؛ فتنصت أوراقه لها حبًا وكرامة وتستجيب مصفقةً لقدوم أحبتها فلطالما أبكى جذوعها الحنين توقًا إليهم؛
فتلتفت حور ضاحكةً مستبشرة وتتحدث متعجبة:
يا الله!
أشجار وارفة، سيقانها من الذهب والفضة وظلها دائم؛ فتمد يدها وتهدهدها في حبٍ ولهفة؛ فتبرق أمام عين قلبها كلمات الحمد والثناء والتسبيح والتكبير،
تهتف في فرح:
هذا ما اجتمعنا عليه، هذا الخير الذي بيننا؛
لكن...
أيناه هو؟
فتهيأ قلب البر ونبض هامسًا:
وأنا بره بأمه وجهاده طيلة سنوات العجاف وغربته واغترابه، ولا زلت أنتظره!.
تتزاحم أمامها الجبال والأنهار والأشجار وذاك العالم الخالي من الدنيا؛
فتموج الحيرة في قلبها؛ فتفتح كتابها بسرعة وتقلب صفحاته فتجد بين سطوره المحفورة بالنور تلك الكلمات:
"أردت أن تكون في صحيفتي حسنات؛
فيرد قائلًا
وأكون في صحيفتك يوم القيامة نورًا وجلال،
فتهمس حور:
أردت أن تُرفع هامتك أمام الخلائق حين ينادى الملك جل جلاله:
(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)،
أردت أخوة خالدة يذكرها السابقون الأولون"
وقبل أن تغلق صفحاته همست إليها أصوات كل جميل ترائ أمام عينها من جبال وأنهار وأشجار أن:
ارفعي هامتك فقد حان جبر الملك؛
فنظرت في عجلٍ فوجدت أخاها باسطًا إليها يده؛ فبسطت إليه قلبها وناجت ربها أن آتيني بأخي يا ربي؛
فاجتمع كل من بالأرض وما عليها بعناقه واصطحابه إليها وقبل أن يرتد لقلبها طرفه كان برفقتها؛ ف ابتسمت بسعة الخلود وهوت ساجدة في حضن الأرض؛ فسجد الجميع استعدادًا لرؤية الملك!.
فإذا بصوت يشاكسها في عنادٍ ومحبة :
هيا، أختي استيقظي فقد حان موعد سفرنا لأداء فريضة الحج.