إن الألم الذي يبدو على وجه الحياة, قادم من جذورها, من أعمق جزء فيها, فلا تندهش أو تستغرب ما نراه منها, أو ما تبدو هي عليه من غصة ومرارة, فإن نكن معا, نحمل معا, نخفف العبأ عن أكتافنا المكتظة, أنظر حولك, الحياة حلبة كبيرة, صراع دائم مستمر, ولولا ذلك لما كانت حياة, إن هذا الصراع هو الوقود, الذي يغذيها بالحركة, هو النبض الذي تراه يعلو به صدرها ويهبط. إنني جائع إلى حياة أخرى, غير ما يتطلع إليه الناس, حياة يطلبها نوع من البشر, لا يجدون أنفسهم في غيرها, حياة خارج الحلبة, خارج الصراع, يكون لها وقود أخر, ونبض مختلف, نبض هامس, أن يكون لدمي جذور أخرى غير تلك المهلكة, أن يكون دما موصول بنبض الوجود, أريد أعماق غير تلك التي تتغذى على أخرين, أوجعتني الحياة بما فيه الكفاية, من يرى ما في جوفي. إنها الأن مقبرة تحوي ألآف الجثث, تفوح روائح جثثهم المريع عبر أنفاسي, لا بد أن أبدل أرض بأرض, وحياة بحياة, وربيع بربيع, فلتكن معي, نحارب معا, ونجابه معا, فلن يتركونا نخرج عن سربهم بسهولة, لن يدعونا نسالم, سيزجون بنا في صراعهم... أو تبكي أمامي, وبين يدي, ألا تعلم ان بكائك يعذبني, يذكرني بأنك لن تستطيع معي صبرا, وإنك لا محالة مقتول, بسيف الحب, مقتول بهم, إنك تؤلمني, ألا تثور على ما أنت فيه, من ألم, كنت في سنوات عمري السابقة, أفر مني, أهرب لا أواجه نفسي, كانت الأبوة تحميني, من برودة الحياة, ومن قسوة الليالي المظلمة, إنك إذا لن تغيب عن عيني, حين أرحل هناك وأتركك وحدك, تقاسي ألمهم وألم نفسك منهم, أحتاج إلى الكثير, كي أنجو مما أنا فيه, حتى أستعيب, أجعلني في باقة أحلامك, في ظنونك, أتعلم أنني أواجه كل خطر بك, وبدونك, منك ومن أجلك, أنت لا تدري ما أفعل من أجلك؟ كي ترحل معي, إن علمي بك يجعلني أجتهد في المحاولات, أن أرحل بك, وأن اجتهد في إنقاذك من براثنهم, أنت لا تطيعني فيما أفعل, من أجلك, تظنني لا أفكر إلا في نفسي وهوايا, وأنني أريدك فقط من أجل أن تؤنسني, أني أريد أن تنجو بنفسك, كما أحاول أنا أن أنجو بنفسي, بحثا عن أرض جديدة, وهواء جديد نقي, لم تلوثه الأيام والسنوات الماضية, كان بإمكاني أن أرحل دونك, ودون أن تحس, أو تشعر, ولكني أردتك معي, لأنني أعرفك, أعرفك كما يعرفك الأخرون, نقي طاهر لم تعكر صفوك أقذراهم, وأن لم ترحل معي, فلن يكون لك كبير عهد, حتى تتحول وتصير مثلهم, لعنة, مرض فتاك, يصيب الجميع, في ضمائرهم وأخلاقهم, ستتلاشى أنت ليحل محلك أخر, عكسك تماما, وسوف تتألم, حين تتذكر كيف كنت؟ وإلى أي شيء صرت؟ إنني لم أحافظ على نفسي إلا بشق الأنفس, كالوا لي, كل سب وشتم, كل ضرب وطعن...أتعبث بي. أترى أني أجيد معنى الكلمة, حين تخرج من أفواههم بسهولة ويسر, تترك أثرا في وجوههم المصفرة المريضة العليلة, والتي انهكتها أصباغ النفاق, عشت ميتا, رغم أنفاسي التي تتردد بين صدري, وأنت تأبى أن ترحل معي, تخاف من طريق لم تسير فيه, وأن أحدا لم يمشي فيه من الناس قبلنا, من قال لك أن هذا الطريق, كله ظلام, وأن في أخره نور ساطع, وبريق ممتد, من الخارج إلى داخل النفوس, ليشع من العيون, على أطراف اللسان, وعلى كل شيء, ومن كل شيء, ألا تبكي من أجل ذلك كله, وماذا تنتظر إذا كانت الحياة تغفر لها, لتلتهم كل جميل, وتنشر القبح, والألم في ربوعها, وأن الشيطان الآن بلا عمل, بل هو يدير حانة صغيرة, على أول الطريق, لتدخل أفواج الناس إلى حانته, ويخرجون ليديروا مشاريع كبرى, تفوق عددا وعدة, إنك إن لم تخرج معي الآن, فسوف أرحل ولن تراني ثانية, ولسوف تقفهر في عينيك الحياة, وتجف في حلقك, وتعمي عينيك, تراب وأوشاب.