لماذا تحاكمني على شيء لا دخل لي فيه؟ إنه القلب الذي لا يعرف للإرادة التي تخالفه معنى, إنه لا يعترف بك أو يعترف بي, ولا يرضخ لسلطان مهما بلغ به من قوة أو طغيان, تلك القطعة من اللحم والدم, التي تقبع في الجانب الأيسري من الصدر, لها مملكتها الخاصة وسلطانها الذي لا سلطان أشد منه, قلت له مرارا: أن ما يخوض غماره إنما هو معركة خاسرة لا أمل في أقل انتصار, إنما هو الخراب المحقق, والضياع قلت له: أمامك الكثير هنا وهناك وفي بقاع الأرض المترامية, فلماذا تصر على ما تصر عليه؟ وأنت مقبل على الشتات الداخلي, ربما أصابك الجنون والأمراض, لكنه لم يستوعب, لم يعيرني سمعا, كان يستمع إلي, وأظن أنني موشك على إقناعه, فإذا به ولا شيء, ولا أثر وإنما يقوم لما كان عليه, أرهقني أيام وأشهر في إقناعه, ولم يقتنع وضاع كلامي وأحاديثي سدى, ولا مجيب, كل ما كان لديه إنه هو مجبر لا إرادة في تغيير مسار دورته الدموية, وإعادة خلقها من جديد, فهو ليس ربا, والقلوب بيد الله, كيف أريد له أن يخلق وهو عبد ضعيف, عشت في نيران ليالي كاملة أحترق بها, وجنبي يشتعل من هول ما يفكر فيه, كان الليل بالنسبة لي محاكمات ومشانق تعلق, كيف لي ومتى وأين وردود وخيالات ولا منقذ لما يفعل بي, أتسخر مني أو تسخر بي, فالهموم الكثيرة التي يمتلأ بها دمي لو في غيري لأنفجر من هول ما رأى تؤذيني فيما أريد من إنقاذ نفسي وكياني, يا ويل نفسي مما يعترض حياتي البائسة, أغمغم وما بين الموت والموت, أنفاسي تتهدج يا ويل أحلامي وحياتي, وما كان, وما يكون من الأيام المقبلة, لم تترك لي ولو جزء ضئيل, إنها تنتقم مني بلا ذنب, بلا جريرة أرتكبها, كل ذنب هو خروج أو تبرير لما يفعل بي, لماذا أنا وأنا لم أصب أحد بسوء, وإذا بي وقد نالتني الرماح من كل بعد, ومن كل طريق تهشم رأسي وقلبي ولم يعد لي ما أعيش به أو يساعدني على البقاء سالم, بعيدا عن كل عين ترقب وتترصد, أعين ما تبقى ولكنه يلفظ أنفاسا أخيرة لا تتجاوب مع الحياة, ولا الحياة نفسها تلين لها, تقف سيفا حادا فوق الرقاب ليستأصل الرءوس يطيح بها من على أجسادها المنهارة, تعلقنا منها في سنوات سابقة بأمل ضئيل, ألقت علينا أحجارا وصخورا صلدة في وجهنا, أعمتنا عن كل شيء, وأنت تأتي الآن لتقول لي أن أرفض, وأنا أهم بأن أفعل وأقوم وأقعد وأقود مسيرة حياة قلب ليس في الإمكان أن تفرض عليه أي شيء, لتبصر إن كنت لا ترى لتلقي نظرة فاحصة فيما يدور حولك, لا تتغابى ولا تتطلب المستحيل, ولا تهددنا بتلك المشانق, وأسحلة القتل والفتك نحن مقتولون, مفتوك بنا, رمم وجثث غير أنها لم تتعفن بعد في ثلاجات تعيش في برودة, ولكنها ميتة لعلنا لا نصلح للحياة ولا هي تصلح لأمثلنا, وأقدارنا المعهوده, تلقي بنا في صمتها المريب, فنحن صناعة باهتة النفوس, غائمة الصدر, تعطينا من نكهتها المرارة, ما مر يوم إلا انتهكت فينا شيئا وإن كان خافيا لا يظهر للعيان, يتربص بنا الشقاء ويطلق رصاصة تصيب القلب, تارة, والروح تارة, وتتفرق الجروح والإصابات, وتموت الضحايا فيك, في كل بقعة, تتلف الأعضاء تتساقط وينتهي كل شيء فيك إلى لا شيء, أين تعترض؟ وبما إذا كنت أنت لا تعد شيء, وإن ما تبقى منك أقل بكثير مما ذهب, أطلب الحب والحب غائب لا سبيل إليه, لا طريق تسلكه يفضي إليه, النهايات التي لا تنتهي, وأنت أنت, وكل تشوه فيك ينمو يوما بعد يوم, كل نور ينطفأ, كل شعلة تتحول إلى حريق دامي, لا تحدثني عن اللا موجود في حياة الأشقياء منا, بادر بالصفح الذي لا يعني شيء, أصفح عن نفسك المغلولة, بغلول المحبة, وفك أصفادها وأترك ذاتك الضائعة, ترسو إلى شاطيء تنعم به, تستريح فوقه, تستنشق هواء البحر لتجد الرئتين الذابلتين من أثر الحرائق الماضية, جدد في غرفها, ما أسقطته العذابات, أتظن أنه من الممكن أن أرمم بعد أن كان الخراب كامل, وأي بذرة وأي أساس إذا كانت الأرض مالحة, لا تصلح للدر, أعيني على نفسك المنكسرة, نقيم أودها, نحملها من جديد, ونرمم ونبني, ولا تكن يئوس يملأ الصد جفون قلبك, تصاب برماد أزلي على حين غرة, قم وصب القواعد, واعلو بحائط, وأخر وأقم بنيان ضخم يجابه الأزمنة, ويكون خالدا يحكي قصة الصمود والإبداع, أتظن أنني بقادر, أنت لا تفهم, لا تعي, لا تدرك أو تتعامى عن رؤية ذلك الخراب, وقد طاف وفاض في بقاع كثيرة من حياتي.