إن محاربة الدولة لفساد المحليات, هي التحدي الحقيقي لنجاح المنظومة, فالفساد متجذر بطريقة هستيرية في نسيجها, حتى ليصعب عليك أن تفصل بينهما, فهي واسعة ومتشعبة وقوية أيضا, فهي لسنوات طويلة لها اليد الطولى, وهي أدرى بما يحيط بها, فقد أكتسبت خبرة كبيرة, فهي كالزئبق لا تستطيع الإمساك به, ناهيك عن إتهامه أو إمساكه متلبسا بجريمة, قد يقترفها يوميا, فدائما هو المنتصر في هذه اللعبة, التي أكتسب فيها مهارات وخبرة عميقة, إنها سنوات طويلة من النهب المقنن, والإهدار المغلف بصور الورع والزهد, والحرص على مقدرات الدولة, واحترام القانون, الذي يتلاعبون به, فهو يطبق على مواطن لا يدفع, ومن يستطيع أن يدفع, فيغفل عنه, ويستنيم ريثما تمر المصلحة, لذوي النفوذ والأموال, وترى كثير من موظفي الوحدة المحلية, وهولا يحتكم إلا على مرتبه, وربما كان يعمل قبل عمله بالوحدة, منذ تباشير الصباح وحتى المساء الأخير, وهو لا يكفي عائلته مؤنة العيش, فإذا هو بعد أشهر بسيطة, وصار له بيتا فخما, وسيارة فارهة, يشرب السجائر الأجنبية, ويمشي بين الناس مزهوا بما حقق من انجازات في سبيل الحفاظ على مقدرات الوطن, من المستهتريين, والخارجين عن القانون, ثم هو يخشى من القيل والقال ومن أين لك هذا؟ فيتفتق ذهنه الألمعي في التجارة من الباطن, بما تحصل عليه من عرق جبين الفقراء, وذوي المصالح, ثم هو يتوسع في التجارة, وما هي إلا سنوات, ويصبح من الأعيان وأصحاب الثراء, كل هذا بالمشاركة بين أصحاب الطاولة المستديرة, وكله بما يرضي الله, ونصوص القانون, وخدمة الوطن, ويأخذ الفساد شكلا شرعيا بعد حين, له حقوق مشروعة, في الأعراف والتقاليد المتبعة, فتكون الرشوة مقابل عمل, أو تسهيل عمل, فتراهم يخرجون من الصلاة, ليجروا الصفقات, وليتفاوضوا حول الأتعاب, ويزيد هذا, وينقص ذاك, ثم يتم الإتفاق بينهما بكل أمانة شيطانية, وتتم الصفقة, فيتجذر الفساد, ثم يتشعب ليصل إلى جهات مختلفة, فإذا ظهر في وسط هذا الكم الكبير من الفساد فرد أو أفراد قليلة, من ذوي الضمائر اليقظة, والعمل الجاد, فيكون تكتل الفساد ضدهم شنيع, فتقيد أيديهم, ويحاربونهم حتى يتم الإطاحة بهم, وخلعهم من مناصب الحيوية, والزج بهم في أعمال هامشية, لا أثر فيها لحب الوطن والولاء له.
كأن المحليات, هي التي تنتج الفساد, وتقدم لنا عباقرة في الإتيان به, إنهم أعلم بمداخله ومخارجه, فلا تستطيع أن تمسك طرف رداء واحد منهم متلبس بشيء, إنما هم أطهار الذيل, عاشقي البلد, الخائفين على مقدارته, حراس عليه, يخافون عليه منا نحن المواطنين المشاغبين, من لا يعرفون قيمته, وتتحترق عقولهم وقلوبهم هم من أجله, يرفعون أعلامه عاليا, ويلوحون بها فخرا, في كل الانتخابات والزيارات الرسمية, للوزراء والمحافظين عليه منا.
تشتد الدولة في تنفيذ القانون ولا جدال ان ذلك شيء جيد حتى تطبق القوانين ولا تستثني احد فالكل امامها سواء ولكن لاصحاب النفوذ والسلطة والمال رأي اخر فهم يخرقون القانون بقانون بحيل وثغرات فالقانون الذي يدفع بالفقراء الى المؤاخذة ويسلط على رقابهم وينحر فيهم كما يشاء هو الذي يمرر للاغنياء زيجعل لها منافذ تخرج منها الى الحياة وهي قوية موفورة الهيبة فالقانون اصبح لعبة يجيدها المخالفون يعرفون كيف يتلاعبون به دون ان يضرهم فالشاي والرشاوي والمتلاعبين اصبحوا اكثر حنكة وذكاء في التعامل مع اصحاب المصالح
هل نستطيع ان نقضي على الفساد وخصوصا اذا كان متشعب ومتجذر في كيان الامة وفي كل هيئة ومصلحة وله رجال يتصدرون المشهد ولهم مكانتهم واوضاعهم فالفساد استغلال سلطة الموظف في تحقيق ربح خاص ضاربا بالمصلحة العامة عرض الحائط فلا يعنيه الا مصلحته الشخصية وما يدر عليه من منافع ويقود الفساد عصابات خفية في اماكنها الحساسة تديره من خلف حجاب ولا يظهر الا صغار الوظفين فهم الوسيط بينهم تتلقى الرشوة والهدايا وتقاسمهم الارباح مع تعلميات بما يجب ان يفعله فاذا وقع لم يجد من يؤازره ودفع الثمن اما الكبار فهم في مأمن من الحساب فالاصل فيه هم هؤلاء فهم محصنون فلكي نقضي عليه يجب مؤاخذة الرءوس قبل الفروع فلولا الضوء الاخضر لما اقترف الصغار الانتهاكات التي تضر بالمصالح العامة ان تقصيهم من الاماكن التي من المكن ان يتربحوا منها ويرتشوا من خلالها






































