تداول مرتادي منصات التواصل الاجتماعي الفيديو الخاص برجل، يبدو عليه من لهجته وزيه الذي يرتديه بأنه غريب في المدينة، وأنه رجلٌ من أقاصي صعيد مصر، وهو ينهر فتاة -أو سيدة- تجلس أمامه في وسيلة مواصلات عامة، بسبب وضعها رجلًا فوق الأخرى، حيث لم تُعِره أي احترام -هكذا كان رأيه- وأنها لا تحترم سنه وشيبته، وهو الذي تعدى السبعين من عمره، وردت الفتاة بكلمات حادة إزاء هذا المشهد الذي يبدو في المدينة بأنه فعل ليس متحضر،
هذا الفيديو استفز المتابعين والقراء، وأدلى كل منهم بما يراه.
والذي لفت نظري هو التباين الصارخ والحاد في آراء المتابعين والذي يمكن أن تلمح فيه تعدد زوايا الرؤيه لهذا الموضوع من درجه الصفر إلى المئة وثمانون درجه، فمنهم من قال: أن أسلوبه فوقي وينم عن مشاكل نفسية شخصية في الرجل، ومنهم من رأت أن في الصعيد مشاكل اجتماعيه وظلم للمرأة لا يجب السكوت عنه ويجب محاربته، وهو الأولى بالاهتمام أكثر مما فعلته الفتاة، وأخرى اشتبكت برأيها الذي يتهم الفتاة بأنها تحتاج لدعم تربوي، وآخر نادى بأن الأماكن العامة لا تحكمها العادات والتقاليد ولكن تحكمها ضوابط القانون، وهناك من رأى أن تلك هي الذكورية والتسلط الرجولي، وأخرى رأت أن أخلاقياتنا تحتم علينا احترام عادات وقيم المجتمعات في المناطق المختلفة بمصر، إلى غير ذلك كثير ولا ضير في ذلك.
لكن الذي يحزنني وأنا أرصد تلك الآراء المتعددة، هو الاحتداد في طرح الرأي تجاه الرجل أو تجاه الفتاة، وأيضًا تجاه من يختلف مع المشارك برأيه، والمحزن حقًا، أن البعض قد طرحه رأيه كما لو أنه يحتكر الصواب كاملا وأن ما دونه لا يمكن أن يكون صحيحًا ومن سلسله هذه الأحزان في متابعة تلك الحوارات بهذا الموضوع، -وأحيانًا غيره- هو الانزلاق إلى الإساءة بصاحب الرأي المخالف بل وأحيانًا الانحراف إلى السخريه منه، ولقد رصدتُ بعض الاتهامات المتبادَلة بين أصحاب الرأى المختلف في هذا الموضوع.
وفي الحقيقه أنا لا يهمني هذا الموضوع في ذاته إطلاقًا، لأنها حادثة فردية وقد يحدث ذلك في مجالات كثيرة بصور مختلفة،
ولكن الذي أهمني كثيرًا هو اختلاف مرجعية القيم الأخلاقية عند المشاركين، والذي أستطيع أن ألخصه بأن تلك المرجعيات قد أصبحت كثيرة جدًا ومتعددة وأيضًا متخالفة، وليست في مساحة اختلاف منطقية، لكنها تصل إلى التصارع أحيانًا.
أيضًا اضمحلال اسلوب الحوار كما وصفته أعلاه، والاساءة والسخرية للآخر لمجرد الاختلاف في الرؤية.
وحين يكون الأمر كذلك فعلينا جميعًا أن ننتبه، وأن نقف وقفه رجلٍ واحد لنحدد هويتنا المصرية، وأن ندفع بكل قوانا عبر وسائل التربية والتعليم والإعلام وأجهزة وزارة الثقافة وغيرها، في أن يتبنى الجميع منظومة قيم أخلاقية متعددة، لكنها ليست متشاكسة ولا متباينة، وأن ندفع في اتجاه ان يتعلم الناس كيفية قبول الآخر المختلف بصياغات ودودة غير حادة، ذلك حتى يمكن قبول بعضنا البعض، وحتى يمكن تحديد الشخصية المصرية للإنسان المصري، والتي تفيد في تماسك الجبهة الداخلية للوطن.






































