هل هي سنن أدبية أم سنن كونية؟ كلما اختلفت الروافد وتنوعت, كلما أرتقي فكر الإنسان وأتسعت مدارك العقل, وأصبح للأدب شأن أعظم في ظل الاختلاف والتنوع في الأمم المتنوعة الفكر, والتي تعتمد في ثقافتها على روافد أخرى غير التي تتلقاها من بيئتها وحدودها, وتتطلع إلى الخارج وإلى المعرفة الإنسانية ككل, فهي ما تفرز أدبا رفيعا, بجوار ذلك الأدب المتواضع, وأيضا الهابط منه, والذي يعمل أثره الأقوى, إنما الأجدر بالبقاء والتواصل, فلا غنى عن كل أدب مهما كان, فله مريدوه ومحبوه وطالبيه, ولكن الذي يرسم الخطوط الرئيسية لحياة الأمة, ويجعل لها المكانة الرفيعة إنما هو ذلك الإطلاع المتنوع, الذي لا يتوقف على نوع واحد أو بيئة واحدة, فهوا الزاد للعقول, لمعرفة ما الأفضل عند الإطلاع على أدب الغير أو المقارنة به, والتي بطبيعتها تفرز أدبا أفضل حين تتلاقح العقول والأفكار والآداب, فالمشكلة التي نعاني منها هي قلة الإطلاع على آداب الآخرين, على حياتهم, على ما تحمل قلوبهم وعقولهم, فنحن أضعف من أن نفاضل أو نحكم لأننا نجهل الكثير عن الأمم من غيرنا, ونكتفي بما يقال على السمع, وربما كانت من ذوي المصالح, الذي ينقلون ما يخدم مصالحهم, وأهوائهم, فنحن محرمون من رؤية الصورة كاملة, فنحن نرى جانب واحد من الحياة, وهو بحكم العادة مفروض غير قابل للتبديل أو التغيير, نتلقاه كابر عن كابر, دون حتى أن نعترض أو نشكو, ولن يكون هو اعتراض أو شكوى طالما أن هناك قصور في الرؤية والمعرفة, ورغم البيئات المتعددة في أرضنا الواسعة من الوطن العربي, فنحن نتعامل معها على قدر محدود دون أن نشعر ونقارن بينها, ونكتفي بالرؤية عن بعد, والإطلاع المحدود من المقروء, ناهيك عن آداب الأمم الأخرى, نحتاج إذن أن نوسع دائرة عقولنا لتتقبل وتستعيب وتهضم آداب الأمم جميعا, أن يحدث ذلك اللقاح من الأفكار والرؤى, نفعل ذلك دون خوف وخشية من ذلك المجهول الذي لا نعرفه, ما فائدة العقول إذن إذا وقفت يملأها الرعب من شيء لا تعرفه, وتستنكره دون أن تراه, إننا نخشى على حياتنا, وهي ضئيلة النفع, توصم بالتخلف والرجعية, في حين أن الفكر والرأي والكثير منا يراها الأفضل والأنفع والأجدى, فهو أحمق أعمى لا يرى ما يحيط به من تدهور في كل مناحي الحياة, يخوَف الناس عن جهل على دينهم الذي هو بطبيعة الحال يجهله ولا يعرف منه إلا القشور, وما علمه بالتلقي والوراثة عن غيره, وغيره الذي تلقاه عن غيره, يحفظها دون وعي أو إدراك, ويردد بلا وعي ما ردده السابقون, إننا نحكم الغلق على أنفسنا في ظلمة شديدة, ونرفع أسوار, ونقيم حوائط على ما عندنا من أسقام وأمراض, لا نعترف بالمرض, فلن نصل إلى دواء يشفي أعراض المرض الذي يصيبنا, لا بد أن نهدم كل الحواجز أن نرى الأخرين ونرى الأخرين على حقيقتهم, رؤية عين, نطلع على أفكارهم وكتبهم وعاداتهم وتقاليدهم, على حيوات جديده ونفوس ومشاعر وأخلاق, دون أن نسفه عن جهل ما لدى الأخرين ورميهم ظلما وبهتانا بالقصور والسفه وعدم الإدراك, رغم ما بيننا وبينهم فهم لمن يرى أفضل حالا ومائلا ومعيشة وحرية منا, ثم نرميهم نحن, يملئنا القصور والعور ثم نرميهم بما يصيبنا نحن, وأن لم نسعى لتوسيع دائرة معرفتنا بغيرنا, سنظل نعاني ونهبط, حتى لو بنينا قصورا شاهقة, وعمارات فارهة وطرق واسعة.