تظل الحرية والمساواة والعدالة أحلام يقظة, طالما أن هناك جهل, وعدم وعي, فيكون الخوف هو العامل, الذي يقضي على كل أمل في تحقيقها, إنه الخوف الذي يتولد من ذلك الجهل, فكل من يحكم, حتى لو كان من أصحاب الرأي وأنصار الحرية, تعميه المناصب وتطمس في عقله وقلبه كل المعاني والقيم, فإن لم يجد عقول واعية تقف بالكلمة والرأي والفكر أمامه, فهو لا محالة متحول, تأخذه العزة بالإثم, وتمتد يد الجبروت إلى كل ما تطاله, إنه تاريخ طويل, تاريخ بني الإنسان يحدثنا عن الالآف ممن سعوا بالكلمة الطيبة, والأماني الواعدة والحق والعدل, الذي جاءوا من أجل أن ينشروه بين الناس, انتهى عهد العبودية وتسخير الإنسان لأخيه الإنسان, وأن عهدا جديدا تشرق فيه شمس الحرية والعدالة والمساواة, حتى إذا علا سدة الحكم طغى وتجبر, وتبخرت الأحلام والأماني المنتظرة من بداية ذلك العهد, وغاب وادفن وألقي به في غيابات جب عميق, كانت الثورة المباركة وتمنى الناس قرب تحقيق ما طال انتظاره قرون طويلة, ولكن كما يقول الشاعر وخلف كل قيصر يموت قيصر جديد, فمن أيدي استبداد إلى أيد استبداد, ومن انتهاك إلى انتهاك, ومن طغاه إلى طغاة, فهل نحن من يصنع الطغاة, هل نحن من يقتل الأمل في الخروج من هذه الحلقة المغلقة, إن هذه الحلقة هي الجهل الكامن المتحكم فينا, هو الخزلان والنار التي تأكل كل أمل في الخروج من بوتقة الإعدام, إن الأمر يرجع إلى الشعور قبل أن يكون كلمات, يتشدق بها الناس, فإذا ما خزلتهم عادوا إلى ما كانوا عليه, دون أن يجاهدوا من أجل الدفاع عن إيمانهم بالحرية والعدالة, فكأن الأمر أمر ظاهر, شكليات لا تنفذ إلى أعماق ولا يشعر الإنسان بها, إذا أفتقدها صرخ كما يصرخ بها الأخرون, فإذا ما وجد خوف أو ما يهدد حياته, تخلى عنها بلا إكتراث المشكلة الكبرى أن أحاديثنا عنها جوفاء فارغة من المعنى, رغم جلال وقيمة ما نطالب به ونريده أن يتحقق فعدم انطلاقها من داخلنا أو الشعور بها شعورا متأصلا فينا هو ما يجعلنا نرتد على أعقابنا, في خزي ودون شعور به ...فهل الطعام أهم من الحرية, من الشعور بالعدالة, التركيز على تربية الجسد أهم من تربية النفوس, على الشعور بالكرامة, إن الجانب الكبير من الناس في بلادنا يعيشون كما يقولون بجانب الحيطة, لا هم لهم إلا أن يعيشوا في أمان حتى ولو كان ذلك على حساب كرامتهم, أو شعورهم بالحرية, إنهم يخافون ضررا يقع عليهم وعلى أبنائهم ضرر على أجسادهم أم ضرر الروح, فإنه لا يودي بحياة المرء, وقد يستسيغه ويعتاد عليه بعد فترة, فلا يمثل له مشكلة نفسية أو روحية, كما يظن به, فالذي يولد هذا الشعور لدى الناس هو عدم معرفتهم بقيمة الحياة الحقيقة, هو جهلهم بأنفسهم وطبيعتهم التي خلقهم الله بها, إنه خروج من بشريتهم من إنسانيهم إلى طور أخر أدنى من الكائنات, فما الحل إذن أمام هذه المعادلة الشائكة, فالحل ليس بالأمر المستحيل الصعب, كل ما نحتاج إليه هو غرس ذلك الوعي في نفوس النشأ, أن نعلمهم الاهتمام بالجسد وغذائه تشمل كل الكائنات الموجوده على الأرض وأن الإنسان هو الكائن الوحيد, الذي يأكل ليعيش, ليكون له رسالة على الأرض تليق به, وأن الجسد وسيلة لبقاء الإنسان من أجل أمر أخطر, وأن الشعور والقيم هي التي تعلي به, فإذا ما نسي ذلك نسي بالطبع إنسانيته, أن الأنبياء والمصلحين جاعوا من أجل قيم إنسانية ينشؤونها بين الناس, أماتوا أجسادهم من أجل بقاء أرواحهم ترفرف على الإنسان بما بصروا الناس به, إنهم يعززون الجانب الذي به يتميز الإنسان, به يرتقي ويعلو من شأنه فإذا استطعنا البناء من الداخل, نجحنا ولا ريب, نجحنا في إنقاذ أنفسنا من الهوى السحيقة, التي ألقى بنا الجهل فيها, وسعينا نحو النور نحو إنسانيتنا طبيعتنا التي خلقنا الله بها من تكريم وتفضيل.