كانت تمر الساعات, ونحن نمشي على أقدامنا, فلم تكن تمل أو تشكو, وتراها وقد تستزيد من السير, كأنها لا تشعر بألم, بل هي تزداد قوة, وتمنحها الخطوات سعادة, كانت أكثر جرأة مني, تمسك يدي وتحيط بخصري, ولا تعبأ لأحد, أن يرانا, لم تكترث بأحاديث الناس, ولا يعني إلا تكون بجوارك, كانت خصلات شعراها تستفزني, شعراها الأسود الفاحم الناعم المسترسل, كان هو أيضا حر طليقا لا يعبأ أن يتطاير مع الهواء, ويتكشف للأخرين, معلنا عن جماله ونعومته, أشد على يديها أن تداريه, حتى تسقط العيون عليه تفترسه بنظراتها, ولكن كلامي يجد صدى على أبعد تقدير دقائق, ثم هو يطل من طرحتها إلى الضوء, كنت أحس إنه هو أيضا تعود الحرية, وإنه يضيق ذرعا بدخوله تحت طرحتها, إنه لم يتعود الحبس, فكل سنوات عمرها حر, فلماذا الأن, تريد أن تسجنه, كانت تضحك من قلبها, إذا رأت عصبيتي, ووجهي يحمر غيظا وحنقا, حين يضيع كلامي أدراج الرياح, فلم يكن حبها إلا نوع من الجنون, وإن الألم يدفعها إلى المزيد في طلبه, وكلما أشتد أحكم قبضته عليها, عرفتها سنة كاملة, كانت مليئة بالسعادة, حتى حين كنت آلمها كانت أيضا تجد في ذلك سعادة وغبطة, ولكنها كانت تكذب كثيرا, مما نغص علينا لقاءاتنا, لم أكتشف ذلك إلا بعد فترة, فلم تكرر ضايقني أن أكون ذلك المخدوع بأحاديث تلفقها, وتتقن حبكتها, تركت في نفسي شيء, وتركت في قلبها أشياء, حتى أصبحت ذكرى تبتسم حين تتذكرها, فهي أيام من حياتك وساعات طوال فيها ما فيها من الجمال والقبح, وحين كنت أراها صدفة, كانت لغة العيون التي تستأثر بالحديث نيابة عن اللسان والشفتان, نتسأل عن أحوالنا, ونستعيد أيامنا ونمضي كل في طريق يستأنف حياته الخاصة, كان نموذج من الأنوثة, التي تثير ألاف الأسئلة والحيرة في تكوين المرأة وسلوكياتها, تجاه الحب والحياة, أفعال فيها من التناقض الكثير, حتى تستسلم في نهاية الأمر, إن ذلك لم يكن في أحيان كثيرة عن فكر ودراية, إنما هو طبيعة وامتزاج لأشياء متناقضة, وإن طبيعتها هي تلك ما تستغربه ولا يستهويك تؤمن به على علاته على ما عليه تأخذه كله بما فيه من متناقضات فجة, وإن ما تحسبه في نهاية الأمر قبيح في أمره, تجده هو ما يجعلك تحبه ويقربك منها, حتى تدهش لأمرك, أنت ثم ما تلبث أن تعتاده وتطلبه, وتلح في طلبه, إن الوقار يخل أحيانا بالأمر, حين تلتق بمن تحب, ويجعل بينكما حاجز من الخجل, لا تريده تأنس بذلك, الذي كان يضايق وتهتك أستار ما بينكما, مما يجعلكما أكثر قربا, إن هذه الأشياء, تكتشفها بعد أن تزل العلاقة بينك وبين من تحب, وتضحك على سذاجتك وعلى ذلك الفوران والعصبية, التي تصاحب سن الشباب, وتقف صلب في أمور هي ببساطة, لا شأن لها أو هي ضئيلة الأهمية, ولا خطر لها كما كنت تظن, ويرسم لك خيالك, وهو يلعب بك, ويغرر ويجعلك تظن إنك صاحب القرار القوي, الذي لا يشق له غبار, إبتسامة عريضة, حين كنت تستغفل من قبل نفسك, ثم هي الأيام, تعود لتنصح, وإذا بالتجارب هي الفيصل, وأن الحياة لا بد أن تعاش بوضعها الحالي, ولا مناص من كلمات, تملأ المجلدات تتلقاه دون أن تمارسها, فإذا هي لا شيء, لا تجد لها أذن, ولا تجد لها مستمع, ولا تلقى قبولا إلا بعد أن تتحول إلى حياة كاملة, وتلقي علينا دروسا كاملة, ولكن ليست بالكلمات.





































