كنت في ذلك السرب الذي يحوم حول شقائه, يقطع ألاف الأميال كي يموت غريبا, في بلاد بعيدة, يرى الجبال والتلال من أعلى نقاط صغيرة, على عظم قدرها وضخامتها, فلا يهوله ما هي عليه طالما إنه في مأمن من خطرها, يقطع الفيافي فيرى الشظف ينبعث من الأرض ألسنة لهب تذكرني بالضياع والتيه ونرى الثلوج في الشتاء تزحف عن الدفيء فترتعد فرائس الأحياء تحمل الذكريات مهاجرة إلى حيث الحياة والشمس كانت أشباح ورؤس الثلوج التي تبدو في الليالي مظلمة ومخيفة تلقي في نفوسنا رعبا عظيما, فنبدأ في الرحيل عنها تاركة فينا هول ننساه, إذا ما مرت الأيام وأكتنفنا الربيع بأشداره وظلاله, التي تبث الطمأنينة في القلوب الشاردة كل عام رحلة جديدة, وسرب جديد ومأوى غير المأوى وفي القلب غصة لا تنفك, عنه تملي أحزانها كل المحولات تبوء بالفشل وكل رحلة تنتهي إلى غصة جديدة, وموعد جديد, مع رحيل أخر تنتقص أعدادنا وتزداد ونمضي معها متفقين مختلفين والسنوات تترك أثارها علامة في الوجه والظهر والأعصاب والمشاعر وفي النهاية, تسقط أرواح منا في تحليقنا نحو الحياة, تسقط فوق أرض جدباء أو أرض يكسوها الربيع, فما ينفع هذا ولا يضر ذاك حين تحين ساعة اللقاء الأخير, يسقط من يسقط ويظل السرب في طريقه لا يتوقف ولا تهدأ فيه أنفاس الحياة, يستلم العرش طير جديد وضوء من الشمس مختلف, وتتسارع وتيرة الزمن وأنا الأن كالطير العجوز, الذي أقترب موعد سقوطه, فلا أدري متى لكني أعلم أنه قريب مني, فأنظر في حلاتي الماضية, وتتوارد إلى خاطري المشوش العجوز يتذكر وينسى وتتعلق في خاطره أوهام وحقائق التي كونته, وفاضت على روحه حتى أثقلته وأقعدته عن الفكر الجديد واستقبال الحديث ...وانت أيها السرب ألم تمل رحلتك التي لا تنتهي دائما, الفضاء من حولك لا نهائي لا أخر له, إنما هو المساحات الشاسعة أمام عيوننا الصغيرة, تلهمنا أنه لا أستقرار في فضاء لا ينتهي وسيظل السرب يحوم ويطير, ويسقط وينبت من جديد من يشترك في سباق غير محدد, حيث لا يفوز أحد وأنت في المقدمة اليوم, وغدا في الخلف تنهج لتموت من فرط العياء.