كان جالساً هناك, في زاوية, على إحدى المقاهي, ينتظر قدومها, يحيط به القلق, تمر الثواني كأنها ساعات, ثم يراها قادمة من بعيد, تتهادى تكاد تطير, توزع عطرها الأنثوي على الأجواء, تعطي هواء المدينة بأنوثتها تملأ أنوف الناس, سكرات وقع قدميها على الأرض, كان يرتج له القلب, يفزع من هول خطواتها, كانت أنوثتها طاغية, لا تعرف معنى الرحمة, بقلوب لازالت بكر, لم يدنسها شيء, صدمها الموت, أستأثر بها. وقف أمام جسدها الممدود في قارعة الطريق, مذهولا واجما يحركه يمينا ويسارا, لا حركة يضع أذنيه عند أنفاسها, فلا شيء يتأمل جسدها المزروع فوق الأسفلت, يتسال أين هي؟ طلعتها دماءها التي تجري في العروق, تشعل الجسد حيوية وطلاقة, صوتها الذي يسكب أنهارا من الحنين تنبعث إلى خلاياه, فينفجر الحب بركانا, تتوقد مشاعره لهيبا, عينيها الواسعتان الذي كان يرى بها العالم في لحظة ذاب استكان لا شيء قطعة من حديد من جذوع الشجر, من حجارة, كومة من تراب الطريق, من أرصفة الشوارع, من يافطات معلقة على أعمدة النوادي. تلك التي كانت منذ لحظات تطأ الأرض بقدميها, تثير زوابع من الرشاقة, فيذهل الشيخ المسن, وتنزع لبه من فرط الطلاقة, وتهيل على أعتاب الشباب اليأس, بعد أن أغتصبت قلوبهم, وألقت بها بيد باردة على أعطاف الطريق, كانت فينوس في موكبها الإلهي, الناس من حولها, مقتول بلحظها, بفتنتها لكنها لم تعد أنفاس دمائها, لم تعد مسفوكة, فوق التراب, أصبحت أشلاء.