ما الذي يحمله الإنسان بين جنبيه, ومن أين يستمد كل هذا الشر, كي يبقر بالسكين البطون, كي يغتال الطفولة, كي يحرق مدن بأكملها, يجرف الأرض من حياة الناس, يكدسها بأطنان الرمال, يسحق بعجلات الدبابات الزروع, حين تشق الأرض, لترى النور, لتسد قلوب الجياع من بنيها, فإذا بالموت يلتهم كل شيء, والدم في كل بقعة, دم الرضع, الأباء حين تستيقظ على صوت الفزع, والأمهات يصرخن وتصطاد صدورهن الطلقات العابثة, تُفجر الدم بركان, وتغرق شوارع المدن, وتصطبغ السماء بأنين الأبرياء, بدم الشهداء, وصرخات النساء, تشكو الرب, رافعة أكف الضراع, مقطوعة في ساعة المساء, إنها الأرض التي ولدتنا, نبتنا في ظل أشجارها, يا أيها الطامعون, العابرون على أرض الحقيقة, كيف نموت عرايا في أرضنا؟ نُجرف كي يبني بنا الطغاة عمائر, وملاعب جولف, ومسبح يسبح فيه الجنود, ونجوع نحن, نتحسس لقمة نحشو بها أفواه الصبية الصغار, مخلوطة بالدم, بتراب الأرض, برائحة البحر, من يبيع أرضا, يظل بلا هوية, من يبيع وطنا كاملا بلا ثمن؟ المجد للطغاة الذين لا يعرفون معنى الحياة بلا دم, يقتلنا الجوع والبنادق وصوت الوطن حين يئن, حين يُذبح, وتعلو صرخات الأيامى من خيام الضياع, لم يبقى شيء سوى الأشلاء, نحملها فوق الرءوس المقطوعة, إننا لن نموت فوق أرض لم ترانا, لم نلهو صغارا فوق ترابها, كيف لنا أن نعيش إذا ما ورثونا لأرض غريبة, تلفظ الأرض غير بنيها, وأرضنا حكر للغرباء, ينامون فوقها آملين, يحفرون القبور, يواروا مجد شعب عاش فوقها قرون, كيف لنا أن نساق كالعبيد, بأيد الجلادين, تضرب فوق الظهور العارية, والأقدام مقيدة حافية, والرقاب محاطة بطوق الذل, أنساق كالكلاب, ليعبروا بنا الأرض, لمتاهات خلف الحدود, نضيع كما تضيع الأشياء في الظلام, نلتمس الوطن الضائع من خلف الأسلاك الشائكة, ننظر إليه وهو بين أيدي الغرباء, بين أيدي اللصوص, ويدّعون أنها أرض الله, فلابد من قربان, ليقبل الرب العطية, يقول الرب لتبقر يطون الحوامل, وتموت الصبايا, ويُحفر في الأرض, يلقى بالصغار في بحر الجحيم, لتُسعر بهم النار, ليُسحب الشيوخ من ذقونهم البيضاء وأرجلهم, ويقذفون لتسوى بهم الأرض, كي يمشي الرب على سجادة من دماء السكينة, لتكون الأرض مقدسة, والرؤس فوق أعناقها منكسة, تشكو الخزلان, وتسقط دمعة فوق التراب نارا تلظى, إنهم أغتالوا نبض القلوب في ساعة العُسر, كيف للرب أن يقود جيشنا من لصوص الأرض؟ ليقتل طفل بريء, ويسرق الأرض من أيدي الضعفاء, ويلتهم في المساء كأسا من الدم في صحة النصر, كيف له أن ينتشي بجثث الضحايا, وجبروت الرعايا, ودوي صوت القنابل, يحصد قلوب الصبايا, كيف للرب أن يتغذى على الحقد, ويقتلع من الأرض جذور العرايا, ليلقي بها في اليم, فتمر سيارة لتملأ بالدم, فجاج الأرض, تحمله إلى أرض غريبة, أرض بعيدة, فيبكي المصلوب, إذا ما تذكر معنى الحقيقة. كيف للرب أن يقود حملة إغتيال, يصوب نحو القلب الرصاص, فتنعم بالخلاص, ويعلو مجد الرب فوق الملايين من رؤس الضحايا, كيف للرب أن يشعل الحرائق في المدن البكر, لتصبح بقايا, أنولد بأمر الرب, لتغتالنا مشيئته على أيد اللصوص من بنيه اليهود, وتموت القضية.