العلاقة بين حالة العراق وما نحن فيه الآن
لن أسرد أمثلة كثيرة للتدليل على كيفية الهروب من التاريخ , فمثال واحد يكفي للدلالة على حجم السفه والاستهانة بمصائر الدول والشعوب.. وأعني هنا توابع الحرب على العراق بوصفها الشرارة الأولى التي أطلقتها الدول الغربية كمقدمة لانهيار أمة العرب إذا سكتت واستكانت ( وقد سكتت واستكانت)، وفي هذه الحالة تصبح نموذجا قابلا للتكرار.
لقد مارست دولتان عظميان حرب إبادة لشعب لا حيلة له بعد سقوط جيشه .. حرب سكت عنها العرب وسكت عنها المجتمع الدولي متواطئا أو منصاعا ..وبعد عمليات القتل والإبادة والتخريب وتشريد ملايين العراقيين طوعا أو كرها خارج بلدهم، بدا كل من تورط في هذه الحرب الاعتراف بجريمته مدعيا أن المعلومات التي بنى عليها قرار الحرب كانت مضللة... ولقد شاهدت بنفسى كما شاهد الملايين السيد توني بلير رئيس وزراء المملكة المتحدة يبكي ندما على قراره لكن بكاءه لن يعيد مآت الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ من قبورهم ولا يعيد لهذه الدولة حريتها وسيادتها .. ورغم بكائه فهو مازال ينعم بحياته كاملة رغم إعترافه بجريمته كما ينعم شريكه السيد بوش الإبن وكأن من قتلوهم ونكلوا بهم وشردوا الملايين من ذويهم ليسوا أبناء بلد حر ذا أصول عريقة وتاريخ يحترم وإنما مجموعات من النعاج.
الحرب على العراق لم يكن مبررها أزمة الكويت بطبيعة الحال ولا حتى أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي ستكشف الوثائق ذات يوم عن كل الضالعين فيها ومنهم السيد البرادعي..
لكننا فيما يبدو ننسى الأحداث بالتقادم:
احتلال (عسكري) أمريكي لدولة عضو بالأمم المتحدة بعد إعلان الحرب عليها رغم أنف الأممالمتحدة.. وتعيين حاكم أجنبي أمريكي عليها (السيد بريمر) يديرها ويوجه ثرواتها ويعين ويعزل كبار موظفيها بوصفه المفوض السامي للبلاد.. ناهيك عن التمثيل بجثث رجال أحياء وأموات في سجن أبي غريب جرى تصويرهم قصدا لبث الرعب في نفوس شباب المنطقة العربية ... ثم القاء القبضق على رئيس الدولة وإذلاله وإذاعة نبأ القبض عليه من قبل الحاكم المحتل على أرض بلاده . ثم شنقه في النهاية يوم عيد الأضحى وفي ساعة الذبح إمعانا في التحدي والإحتقار..
شئ واحد يتجلى في أحداث المنطقة منذ ذلك التاريخ ، أي بعد أزمة الكويت واحتلال العراق، أن شعوب المنطقة (مثل الحكومات) بدأت تقبل الوصاية صاغرة وتؤثر السلامة .. الا الشعب المصري الذي أبى أن يكون تابعا أو تكون أرضه مرتعا لأية قوة في العالم مهما كان نفوذها أوكانت سطوتها..
إن الدول الغربية بعد سنوات من ربيعها العربي لم تستطع حتى الآن أن تحسم الموقف السياسي ولا الاقتصادي ولاحتى العسكري في المنطقة العربية لصالحها بعد أن أدركت مؤخرا خطأ حساباتها من البداية وأن قادة هذه الدول بدأوا يشعرون بالندم على ما فعلوه من تخريب وتدمير لدول آمنة أو شبه آمنة كالعراق وسورية ولبنان واليمن والسودان والصومال وليبيا، رغم كل ما أصاب هذه الدول من تقسيم و تخريب...وأن نظرية بنارد لويس لم تسفر عن نزاع طائفي وعداء بين أبناء الشعب الواحد بقدر ما أسفرت عن كراهية لكل ماهو غربي... وأن المعسكر الغربي خرج من دائرة الصراع خاسرا ونادما رغم مشاركته في أحط وأقذر الوسائل في الحروب كاستخدام المرتزقة والحصار الاقتصادي والإبادة الجماعية واستخدام الأسلحة المحظورة دوليا والتجويع والتشريد الجماعي للسكان ..
خلاصة القول ، إن كل ما يجري للعرب الآن ليس غريبا ولا هو نتاج حادث غير مسؤول لمجموعة أرادت أن تعتلي مسرح السياسة والأنوار مطفأة .. وإنما هو مخطط متفق عليه بين أطراف ليست فوق مستوى الشبهات.. وستكشف صفحات التاريخ لاحقا عن ضلوع من كنا نعتبرهم أشقاء ورفاق طريق في كثير مما أصاب هذه المنطقة التعيسة من دمار وإبادة وتخريب.






































