آثارنا المصرية القديمة : سؤال بريء جدا :
إلى الذين يحرمون كل مظاهر الاحتفاء بهذه الآثار ، ويرونها رموزا شركية ، وأوثانا تعبد من دون الله….
لماذا إذن أيها المتحدثون عن الله ورسوله ، لم يحطمها الصحابة رضوان الله عليهم حين دخلوا مصر فاتحين ، كما حطم الرسول صلى الله عليه وسلم أوثان المشركين حول الكعبة يوم أن دخلها في فتح مكة ؟
قطعا لو كانت كذلك ، لحطمها الصحابة رضوان الله عليهم ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا أثم هؤلاء الصحابة لتفريطهم ، لاسيما والأمر يتصل بما يناقض عقيدة التوحيد حسب زعمكم؟
بل إن عدم مساس الصحابة بهذه الآثار في مصر -وكذا في كل البلاد التي دخلوها فاتحين - ليؤكد على أنها لم تكن في وعيهم من قبيل اللات والعزى ومناة -معبودات المكيين في وثنيتهم -ولكن من خزائن الأرض وثرواتها، التي يجب الحفاظ عليها ، باعتبارها إرثا حضاريا للمصريين وللإنسانية جمعاء .
ولماذا نستغرب أن توصف آثار مصر بخزائن الأرض ؟ ألم يقل نبي الله يوسف عليه السلام لعزيز مصر " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم "
ولاأدري لماذا حصر المفسرون هذا المفهوم " خزائن الأرض " في الغلال والأقوات والأموال ، مع أنه يتسع في رأيي ليشمل كل كنوز مصر ، كما اتسع مفهوم مصر في الآية نفسها -بحيزها الجغرافي المعلوم -ليشمل كل الأرض ، باعتبارها وقتها وستظل بعجائبها وكنوزها هي الدنيا كلها حين تذكر .
ثم إنني أسأل ، هل كل المصريين القدماء هم الفراعنة ؟ بالطبع كلا ، وهل كل الفراعنة هم فرعون موسى الطاغية ؟
هناك العديد من الدراسات الأثرية التي تؤكد على أن فرعون موسى كان من الهكسوس ، وليس من الأسرات المصرية
،وهذا معناه أنه بسلوكه المتجبر هذا لايمثل المصريين ، ولاملوكهم الفراعنة.
وقبل فرعون موسى ، أليس من الجائز أن يكون أولائك أهل فترة من الرسل ؟ يعني في عفو من المساءلة الدينية أمام الله وإن أخطؤوا في تصورهم لله رب العالمين ، لقوله تعالى ( وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا )
وبعد فرعون موسى ، ألسنا نحن المسلمين نؤمن جميعا بأن النبي الأوحد الذي أرسله الله إلى الناس كافة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ وأن كل نبي قبله إنما كان يرسل برسالة محدودة إلى قومه فقط ؟ وأنه ربما كانت المنطقة المجاورة لقوم هذا النبي غير مكلفة بهذه الرسالة لسبب أو لآخر ؟
إن تاريخ الأديان والرسل لايزال أكثره بالنسبة لنا مجهولا ، قياسا بعمر الإنسانية على هذا الكوكب ، والله تعالى قال لنبيه " منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك "
ماأود أن أقوله هنا ، هو أنه يجب أن نوكل أمر حساب كل قوم بل وكل إنسان إلى ربه ، ولانتأله على الله فيما هو من شأنه ، وربنا رحمن رحيم .
أما البشر الذين يعطون أنفسهم حق التحدث عن الله ورسوله ، فمنهم الجلادون المسارعون إلى التكفير ، والقذف بالبشر جميعا في جهنم ،سوى ماعليه هذا المتحدث وقبيلته .
ثم إن هناك في كتاب الموتى الذي خلفه أجدادنا القدماء الكثير من المعاني الأخلاقية السامية ، فلماذا يغض هؤلاء الطرف عنها ومثلها ، ويصدرون فقط مايدين الأجداد ويَسِمهم بالشرك ؟
مايعنينا هو أن هؤلاء الأجداد قاموا بواجب وقتهم في إعمار الأرض ، و برعوا ليس في علومهم ومعارفهم فقط ، ولكن في حرصهم على أن ينقلوا إلى البشرية إرثهم الفني والإبداعي ، وخبرتهم الزراعية والصناعية والتجارية ،وكنوزهم المعرفيه التي برعوا فيها في العلوم المختلفة ،الفلك والطب والتحنيط والهندسة الخ ، وبمنتهى الدقة والإبداع ، بل والإبهار .
أراد أجدادنا أن يعلمونا قيمة التوثيق بالكتابة ، وبمنتهى الدأب والصبر، فكل حرف كتبوه على جدران معابدهم وغيرها ، في حد ذاته نقش وصورة وإبداع ، فكان هذا الميراث الضخم الذي أدهش العالم ولايزال ، وكانت هذه الحضارة ذي الأوتاد - بنص القرآن الكريم - هذا هو مايعنينا ، أما فيما بينهم وبين ربهم ، فهذا أمر يجب أن نوكله إليه سبحانه وتعالى .
وإذا كان الاعتناء بمشاهدة الآثار ودراستها إثما وشركا ووثنية ، فلماذا إذن كان استنفار القرآن الكريم الناس جميعا في كثير من آيه إلى السير في الأرض وتأمل آثار السابقين ،والاعتبار بها؟
حتما سأجد من يقول : نعم هذا جائز ولكن للعظة والاعتبار فقط ، فأقول له، ومامعنى الاعتبار في رأيك ؟ ولماذا حصرته في معناه السلبي فقط ، الذي هو قرين التأسف والتوجع وشهود مصارع القوم ؟
هناك الاعتبار الإيجابي الذي يدهشك ويبهرك ويحفزك على تحري الإبداع والدقة والمهارة ، واعتلاء سلم المجد العلمي والتقني والإبداعي والحضاري ، لاسيما في حالتنا المصرية ، يجب أن نقف ونسأل أنفسنا ، لماذا نحن هكذا وكان أجدادنا هكذا ؟
ولنترك حساب كل قوم من السابقين أو اللاحقين إلى ربهم ، وليشتغل كل منا بموقفه أمام ربه ، وبماذا سيقدمه يوم الموقف العظيم ، هذا الموقف الذي كثيرا ماشغل المصري القديم ، وتخيل نفسه يوم القيامة وهو يقدم المعذرة إلى ربه ، بكلام ينبيء عن إرث أخلاقي رفيع ، منبعه ماوصل إليه من العقائد السماوية الصافية ، و الفطرة السمحة بسماحة نيل مصر العظيم .
أجدادنا القدماء إذن قوم لم يذهلوا عن دنياهم ، ولم يغفلوا عن آخرتهم ، وقد ابتلينا نحن بالذهول والغفلة عنهما معا .
تنبيه :
غير مسموح بالجدل على هذه الصفحة ، والذي لايتفق معنا في رأينا هذا حقه ، ويكفيه التعبير بالرمز الرافض أو ليصمت مشكورا .






































