التدريس نفسه هو أجمل وأمتع مافي العمل الجامعي ، فقيمة الأستاذ الجامعي تكمن في أستاذيته ، ولاأعني أستاذيته العلمية فقط ، ولكن أستاذيته التربوية والروحية قبل العلمية .
فالأستاذ الذي يعرف قيمة دوره ويعشق مهنته هو إنسان خالد ، حي في ضمير وقلب كل تلامذته ، فنحن مهما كبرنا نشعر بأننا بضاعة أساتذتنا الذين أثروا فينا بعمق فربونا صغارا ويربوننا كبارا .
أستمتع كثيرا بالوقت الذي أقضيه داخل قاعة المحاضرة مع طلابي ، وأهتم كثيرا بملاحظة أعينهم وهي تحملق في وجهي ، أقرؤها بعمق ، وأعرف متى تصلهم المعلومة وهم فرحون بها لسهولتها ومتى يحدث العكس ، فأحاول مسرعة تغيير طريقة الشرح - كما كان يفعل معنا بعض حذاق أساتذتنا الذين أثروا فينا بعمق - أو أسافر بهم في نزهة روحية خارج المحاضرة في موضوع يمس حياتهم لبضع دقائق ، فإذا ماوجدتهم قد عادوا إلى نشاطهم ، أقول لنعد إلى المحاضرة ، وكأنني فعلا غادرت بهم قاعة الدرس للتنزه بعض الوقت، فعادوا من نزهتهم نشطاء مبتهجين ، لديهم حافز للتلقي وببهجة وحب .
وكثيرا ماأستغل تلك النزهة ، لغرس الكثير من القيم الروحية والأخلاقية داخل نفوسهم ، فيعينهم ذلك على حسن التلقي والتمتع بالعلم وآدابه .
إن هولاء الطلاب أمانة في أيدينا ، وليسوا قوالب مصمتة ، قابلة لإلقاء مافي جعبتنا لمجرد أداء الواجب ، ثم ننقلب الى بيوتنا ونحن راضون ، توهما بأننا أدينا ماعلينا .
إن كلمة من الأستاذ تستقر بقلب طلابه كفيلة بإحداث تحول كامل في حياتهم ،
وكم من فلاسفة ومفكرين أحدثوا تحولات ضخمة في الفكر الإنساني ،كانت النواة والبذرة بفضل أساتذتهم.
وهؤلاء الأساتذة المخلصون لأستاذيتهم يكافؤهم الله تعالى بأغلى مايكافيء به إنسانا ، أعني تنعمهم برابطة الرحم العلمية بينهم وبين تلامذتهم ، تلك الرابطة التي شدا بها فلاسفة الإنسانية وشعراؤها منذ فجر التاريخ ، لأن العلم ميراث النبيين ، ورابطته من صنع السماء ، مقدسة ومتجردة وصافية .
لم يكن من فراغ قول شوقي :
قم للمعلم وفه التبجيلا …كاد المعلم أن يكون رسولا .





































