احترت في أمر صلاتي :
هذا هو استهلال رسالة وصلتني من حائرة - كما أطلقت على نفسها - تقول
: بكل الطرق حاولت أن أخشع في صلاتي ولم أنجح، فماذا أفعل ؟
واستطردت صاحبة الرسالة تقول : سألت كثيرا من الشيوخ وتعلمت منهم كل شيء يختص بالأركان والسنن وطريقة الأداء بدقة ، وجربت أن أركز فيما أقول كما نصحوني ، ولكني لازلت أخرج من الصلاة وأشعر بأنني لم أنتبه ، وقد ارتاح ضميري بعض الشيء حينما سمعت أحد الشيوخ يفتي في التلفاز بأن الخشوع في الصلاة ليس ركنا ، والصلاة صحيحة وإن لم يحدث فيها خشوع ؟ فهل هذا صحيح ؟
(هذا جزء من رسالة مطولة مع تهذيب بعض العبارات والتركيز على مضمون السؤال)
الجواب :
نعم سيدتي هذه فتوى صحيحة فقها، فالفقهاء يرون أنه بمجرد أداء الصلاة مستوفاة الأركان والشروط فإنها تسقط عن المصلي وتبرأ منها ذمته أمام الله تعالى .
ولكن هذا شيء وقبول الصلاة وثوابها شيء آخر ، فليس للمرء من صلاته إلا ماعقل منها- كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح -معنى- يعني من ثوابها وأجرها وثمرتها في القلب .
وبتفصيل أكثر أقول :
أولا : هذه المشكلة التي تعانيها منشؤها الدخول إلى الصلاة وأنت مشغولة البال ، ولم تستعدي لها الاستعداد الكافي .
وقد علمت من رسالتك أنك صاحبة مركز اجتماعي مرموق ، وأسألك كم من الوقت تبذلينه في الاستعداد لأي موقف يتصل بوظيفتك ؟
الصلاة أيتها الفاضلة لابد لها من الاستعداد قبل الدخول إلى حضرة المولى عز وجل بتكبيرة الإحرام .
وإلا فلماذا الوضوء والتطهر واستقبال القبلة ؟كل هذه مقدمات يجب أن تنتبهي إليها ، وتعطيها الشعور النفسي الذي يناسبها حتى ينتبه قلبك ، ويحدث التوافق بين الأداء الحركي واللفظي ووعي الدماغ وإصغاء القلب ….
ولكي يتم ذلك لابد من الاجتهاد من تفريغ الذهن مما يشغله من أمور الحياة حال الدخول إلى الصلاة ، مع تعهد القلب الدائم بالتطهير والتزكية حتى تذهب عنه أمراضه المهلكة ، من حقد وحسد وكبر وخلافهم.
نعم سيدتي : علمنا الفقهاء أن الصلاة عبارة عن أركان وشروط وسنن ، وزاد البعض وهيآت ، فإذا أداها المصلي صحت الصلاة .
ولكن هذه القناعة وحدها حولت الصلاة إلى هيآت طقوسية ، وربما كان في ذلك رحمة وإلا بطلت صلاة أكثرنا .
ولكن هناك من المفسرين من فسر قوله تعالى " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة " قالوا هؤلاء هم الذين لم يحققوا الخشوع فيها ، لأنه إذا لم يحدث خشوع فلا ثمرة لهذه الصلاة .
ومما يلفت الانتباه : أن هناك مؤلفات ضخمة ألفها الفقهاء في الصلاة ، وتخلو من لفت الانتباه للخشوع تماما
بل هناك من ألف مجلدا في جلسة الاستراحة في الصلاة مثلا ، وأصح صيغ التشهد ، وهكذا
ثانيا : بعد هذا الكلام الفقهي أقول لك : تعلمي سيدتي أن لاتمارسي الصلاة لكونها فقط ركنا أو فرضا ، ولكن لكونها وسيلتك الوحيدة للدخول إلى حضرة الملك جل وعلا ومناجاته .
ساعتها ستخرجين من الصلاة وأنت مولودة من جديد، وقد حصل لك من الاستمداد الروحي والنفسي مايملأ قلبك وروحك بالطمأنينة والسكينة، ويكفيك القلق والاضطراب في عصر هذه سمته ، هذا بالإضافة إلى ماهو أعظم من ذلك ، ألا وهو الشعور بالمعية وملازمة التقوى والبعد تماما عن الفحشاء والمنكر، تحققا بقوله تعالى " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر "
أعود فأقول : إذا كان الخشوع في الصلاة ليس ركنا باتفاق الفقهاء ، وهذا الحكم ينطوي على رحمة كبيرة ، لكني أذكرك بأنه بمقدار نقص الخشوع في كل حركة أو سكنة في الصلاة ينقص الثواب والأجر ، حتى ربما يخرج المرء من صلاته ولم يأخذ أجرا ،وإن كان قد سقط عنه فرض الصلاة فقها .
ويحضرني هنا قول شيبان الراعي في حضرة الإمام أحمد والإمام الشافعي ، رضي الله عنهما ،وقد سأله الإمام أحمد " ماتقول ياشيبان في رجل لايدري أي صلاة غفل عنها في يومه من الصلوات الخمس فلم يصلّها فقال : أقول : هذا قلب غفل عن مولاه فينبغي أن يؤدب ، حتى لايعود إلى غفلته ثانية "
وأقول كذلك : من غلب على صلاته عدم الخشوع بشكل متكرر ، فهو صاحب قلب غافل عن الله ينبغي أن يؤدب.
ولكن إذا كان عدم الخشوع في الصلاة نابعا عن عدم التركيز لمرض ذهني أو نفسي أو لكبر سن أو نحو ذلك ، وبحيث لايمكن للشخص التركيز في أموره كلها بشكل عام إلا بقدر ضئيل ، وليس في الصلاة وحدها ، فعليه أن يجتهد في استحضار قلبه في صلاته بقدر طاقته ، ولايكلف الله نفسا إلا وسعها ، وينتفي عنه الإثم حينئذ ، والله أعلم.






































