كانت جميلة ؛ تُحب أهلها وتتمنى لو تخفف عنهم عبء وجودها، أوتنجز شيئًا من قائمة أجهزة زواجها حتى إذا أتى صاحب النصيب أخذها بحاجياتها كاملة ، لاناقصة ثلاجة ولا جهاز ميكرويف..
صابِحة التي لم يكن يُشرق الصباح في بيتهم قبل أن يمر على وجهها ،تستيقظ باكرة مع الفجر تطعم الدجاجات فُتات طعام أمسهم ، وتحضر لأبيها وجبة افطاره قبل الذهاب للغيط، وتُلقي نظرة طويلة على أمها التي أخذ الزمن من صحتها ماأخذ ،وتستعد للخروج وعلى وجهها علامة رضا، وشعور دفين لادليل عليه أن شغل العمالة اليومية مجرد ظرف مؤقت لن يطول ، وإن طال ستجد في نهاية الأمر مايهون ذلك، ربما يكفيها سعادة أبويها وعدم حوجتهم لأي مخلوق، وربما رجلًا أصيلاً تجد في كنفه من الأمان ماينسيها أيام طويلة قضتها بين تعبئة سمكات الرنجة ذات الرئحة الكريهة في مصانع السمك المملح، وبين الفرز في شركات تخزين الخضروات وقطف حبات الفاكهة من المزارع.
لم تكن تعرف الفرق بين قرن الفاصوليا الأخضر التالف والصحيح، فكلاهما كان أخضرًا ولم يكن نظرها دقيقًا للحد الذي تلمح معه بقعة بنية صغيرة إثر مرور دودة على جانبي غلاف قشرة القرن..وعزاءها كل مرة أنها المرة الأخيرة التي تغفل فيها وتسمع كلمات تسمم بدنها من المشرف وتحمُّل وعيده بالخصم من يوميتها نصف يوم أو تهديده بعدم قبولها مع بقية البنات في الغد.
كانت تكره الإستيقاظ باكرًا، تحب البيت والطهي وري زرعة النعناع ومساعدة أبيها في الحرث والزرع والحصاد .كانت رجلًا كما تمناها أن تكون ..رجلًا دون شارب وعضلات عظيمة
رجلًا حنونًا غير متخاذل يحمل فوق كتفه مالا يستطيع الرجل حمله..
لم يكن يغصبها غاصب على كل ذلك ،انما شعورًا في نفسها أن أباها لم يأت ليكن وحيدًا وأن أمها المتعبة تستحق عيشة أهنأ من عيشتهم، العيشة التي لايمكن توفيرها بأجرة اليوم في المصنع لكنه الأمل يهيئ للمرء مالا يمكن للعقل تصديقه..كانت جميلة وقوية وخائفة أن يأت يوم ولا تكن عند أهلها كما أرادوا
وان كانت عند نفسها أحدًا لاتعرفه..
آتى الغد وتجهزت صابحة وبعض بنات القرية، جميعهن ذاهبات حيث قدر لهم الذهاب كل يومٍ إلى نهاية غير معلومة..
ذاهباتٍ لحصاد محصول الخوخ في مزرعة مكشوفة تحت الشمس الحارقة لايظللهم إلا ظليل الأشجار.
ولايسد رمقهم غير سندوتش صغير، مجرد لقيمة وبضع حبات من الطعمية او لقمة وقطعة جبن قديم وحبة طماطم..
لكن مرارة كل ذلك تزول عند استلام اليومية عند الغروب نهاية اليوم وقبل العودة بنفس الطريقة
عربة تتحمل أربعة عشر راكبًا الإ انه يتكور بداخلها خمس وعشرون فتاة، ينغمسن فوق بعضهن كحبات طماطم متفعصات في قفص خشبي .
انطلقت العربة للعودة
وصابحة متعبة كبقية زميلاتها لكنها فرحة
فرحة جدًا ، تشعر بالإنتصار فمعها غنيمتها التي ستعطيها لأمها لتجد ماتطعمه لإخوتها غدًا..تعد الدقائق عدًا
تسابق الميكروباص في رأسها
مع الطريق
الطريق السريع والعربات المتهالكة، تزداد السرعة وتزداد معها ضربات قلبها وتتسارع
واحد
اثنان
ثلاثة
اقتربنا..
خبر اليوم الجمعة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥م : مصرع ثمانية عشر فتاة وسائق ميكروباص من قرية كفر السنابسة بالمنوفية
حين عودتهم من عملهم بالعمالة اليومية، حيث كانت تتراوح أعمارهم بين الأربعة عشر والستة عشر عامًا وتبلغ أكبرهم ثلاثة وعشرون عامًا ..انتهى