في زمن تتداخل فيه الأصوات وتكثر فيه الحكايات، بات الحكم على الناس أسهل من أي وقت مضى… كلمة تُقال، رأي يُنقل، وانطباع يتكرر حتى يتحوّل، دون أن نشعر، إلى “حقيقة” داخل عقولنا. كثيرون يدفعون ثمن أحكام لم يصنعوها بأنفسهم، بل صنعتها ألسنة الآخرين.
الحديث عن أي شخص غالبًا ما يكون متناقضًا؛ البعض يراه طيبًا ومحبًّا، وآخرون لا يرونه كذلك. وهذا طبيعي… فليس من الممكن أن تجتمع كل القلوب على محبة شخص واحد، ولا أن تتفق كل النفوس على تقييم واحد. فالناس ترى بعيون مختلفة، وتسمع بقلوب تختلف في صفائها وقدرتها على الفهم.
قد تسمع أن فلانًا شديد الطباع، ثم حين تتعامل معه تكتشف قلبًا هادئًا وخلقًا طيبًا. وقد يحدث العكس: يقال عن شخص كلمات لطيفة، ثم تكشف لك المواقف وجهًا لا يشبه ما سمعته أبدًا. فالأمر نسبي، يتبدل باختلاف التجارب، ويتشكل حسب طبيعة كل فرد منا.
الخطر الحقيقي يبدأ عندما نستسلم لآذاننا ونغلق عيوننا. حين نسمح لسمعة منقولة أن تُحدد مكانة إنسان لم نتعامل معه قط، وحين نسمح لآراء الآخرين أن تصنع أحكامًا لا تشبهنا.
كم من أشخاص ظُلموا لأن صوتًا غير منصف تحدث عنهم! وكم من علاقات لم تولد أصلًا بسبب انطباعات جاهزة نُقلت من دون وعي أو مسؤولية!
لهذا… لا تجعل أذنيك مرآتك، ولا تسمح لغيرك بأن يكتب صفحة لم تعشها بنفسك. امتلك شجاعة التجربة، وامنح كل إنسان حقه في أن يُعرف من خلال مواقفه وتعامله، لا من خلال ما يُقال عنه.
إنّ معرفة الناس لا تأتي من الكلام المنقول، بل من الاحتكاك الحقيقي… من لحظة تظهر فيها المواقف جوهر الشخص، لا صورته المتخيلة.
فالشخصيات تُكتشف… لا تُحكى.
وتُرى… لا تُروى.






































