في العلاقات الإنسانية، لا تُقاس المسافات بعدد الكيلومترات ولا بتباعد المدن، بل تُقاس بأثر التصرفات، وبما نفعله وكيف نُشعر من يشاركوننا الطريق. فالبعد الحقيقي ليس جغرافيًا، بل نفسيّ يصنعه الإهمال وسوء التقدير وتكرار المواقف التي تترك أثرًا صامتًا في القلب.
فالناس لا تغادر حياتنا فجأة، ولا تختفي دون مقدمات. الرحيل يأتي عادة نتيجة تراكمات صغيرة… كلمة لم تُقدَّر، تصرّف بدا بسيطًا لكنه جرح، موقف عابر تكاثرت مثله المواقف حتى صنع مسافة لا تُرى. ومع الوقت، يشعر الإنسان بأن مكانه لم يعد كما كان، وأن وجوده أصبح غير مُرحّب به كما كان يتمنى.
الإنسان لا يبتعد لأنه قرّر الرحيل وحسب، بل لأنه التقط — دون أن يُقال له — إشارات تُشعره بأن قيمته لم تُصن، أو بأن مشاعره لم تكن في الحسبان. وعندما يشعر أنه أصبح عبئًا أو ثقيلاً على من حوله، يختار الصمت ثم الابتعاد، حفاظًا على ما تبقّى من كرامته ومشاعره.
ولذلك، فإن الحفاظ على من نحبّ ليس مجرد كلمات لطيفة أو نوايا طيبة، بل وعي حقيقي بتأثير تصرفاتنا. ما نراه عاديًا قد يكون مؤلمًا لغيرنا، وما نمرّ عليه مرورًا سريعًا قد يظلّ عالقًا في قلب شخص آخر لا يُظهر دموعه.
إن احترام المشاعر فنّ لا يتقنه الكثيرون. فنّ يبدأ بالانتباه ويكتمل بالحرص على ألّا نؤذي من نريد بقاءهم في دوائرنا. وعندما نُتقن هذا الفن، يصبح وجود الناس الجميلة في حياتنا نعمة نحافظ عليها لا صدفة تنتزعها التصرفات دون أن نشعر.





































