آخر الموثقات

  • من حب ربه
  • لن يعود !
  •  سأبقى كالسّنا
  • البحار مستودع الأسرار
  • أحبك يا عذابي
  • كل ليلة... أنا و ثباتي العتيد
  • على حافة الحياة
  • علاقاتي ليست للتعاون
  • أيها المسافر
  • ما لا يقال عند أوزو
  • إمراة تعيش على حمل ببالون
  • موسيقى المطر
  • هل تعلمين معنى احتياجي إليك
  • من أنت؟!..
  • أكره الحرب
  • إحساسين متناقضين !
  • مسجون في أيامي
  • إن بعض الظن إثم
  • لن أشفق عليك،
  • لا تلمس جرحي
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ولاء عبد المنعم
  5. زئير(غربة روح وجسد)

أخرج من معطفه جريدته المفضلة بعدما جلس في زاويتة المفضلة، كان دائم الجلوس على ذلك المقهى المجاور لمنزله، يحتسي قهوته بينما يطالع تلك الجريدة، كان دائم الصمت لايتكلم مع أحد ولا يشغله احد، كل ما أهمه بها هي الأخبار السياسية وبعض الاخبار المنوعة، يرتشف رشفة من فنجان القهوة الذي يشبه ملامحه القاتمة السوداء التي حفرت بقسمات وجهه السبعينية وكأنما يستنشق معها عبير السنون الماضية، يضع الفنجان من يديه ثم يمسك بالجريدة فتلك مهمة بالغة الصعوبة أن يمسك الجريدة والفنجان بكلتا يديه فإحداهما مبتورة، وبيده المرتعشة الباقية يقلب صفحات الجريدة يمينا ويسارا، وخلف زجاج نظارته عينان غائرة في محجرها مترهلة الأجفان كان يحدق بهما ليرى سطور الجريدة المتراصة، بينما هو مستغرق كعادته في التصفح كنت أنا هنا أراقبه عن كثب، سكناته وحركاته ويكأني أهيم به عشقا، ولكنه فضول الصحافة المعهود وروح الكاتب التي تطارد كل ما تراه من أشخاص لتستخلص بطل جديد لرواية أو حدث لمقال مثير تلتف حوله الناس، أنا ذلك الشاب في عقدي الثلاثيني يثيرني صمت هذا الرجل وكأني أرى خلف صمته إما حكمة خلاصة عمره او قصة مثيرة للشفقة أو حدث تضج له الأوساط الأدبية والعالمية، تلك حاستي تجاه الرجل رغم سكونه وأعتياده على فعل نفس الاشياء كل يوم برتابة يومية، والغريب بالأمر أنني لا أملّ أن أراه كل يوم على حالته هذه، بل أظل أنظر وأتمعن بملامحه كأنها تستلهمني لشئ ما لا أعرف ما هو ام إنه الفضول وحسب لا أدري، ولكن الأفكار تقودني إلى أشياء كثيرة في هذا المكان، أنا الأن أراه يحدق بالجريدة وملامحه مشدوهة وقد فغر فمه وكانما وجد شيئا أثار الدم بعروقه وبدا عليه السخط ، غريب هذا الرجل ما رأيته متوتر يوما هكذا، أرى يده تقبض على الجريدة بشدة وغيظ، ترى هل قرأ نعيا لأحد أقاربه ؟ أم أن أحداث اليوم لا تروق له؟ يساورني شعور بالتطفل عليه وسؤاله، ولكن كيف لو نهرني ؟، ما هذا القلق والتوتر؟ غالبا سأظل أنظر إليه حتى أرى ما سبب حالته تلك، يا إلهي إنه يبكي ويتهدج صوته بالبكاء أراه يصرخ ألما ووجعا، والناس مشدوهة من حالته يضربون كفا بكف ما اضناه هذا العجوز الذي تجرع الصمت سنينا عدة حتى ظن الناس أنه أبكم، ولكنه الخرس الذي يلتزمه بعض الناس ويتقوقعون على نفسهم حتى لا يضطرون لتبرير معاناتهم وبعض أسرارهم القابعة بدواخلهم، ظل يدور حول نفسه والدموع تنهمر وخطواته مهزوزة يكاد أن يسقط، سأقترب منه علّي أحاول فهم ما يحدث.
رجاء فليساعدني أحدكم لقد سقط الرجل مغشيا عليه، ساعدوني لرفعه على المقعد ثانية، أشكركم
ماذا افعل لا ادري ...احاول إفاقته ولكن لا يستجيب
يا عم!... إستيقظ، أين منزلك وأوصلك له؟ إخبرني ماذا حدث وما خطبك ؟ ما سر بكاءك هكذا ؟
هااا..الحمد لله بدأ بفتح عيناه
تنفست الصعداء، أخيرا بدأ يستيقظ ويحاول النهوض
هلا أخبرتني أين مكانك لاوصلك، نظر لي وكأنه لا يريد أن يعرف مكانه أحد ومع إلحاحي أشار لي لآخر الشارع، فاستند على يدي ونهض من مكانه وسار معي بصمت مطبق ولا زالت الدموع تنهمر منه وهو متابط تلك الجريدة كأنها طفلته أو كأنها أثمن ما يملك، مازال الغموض يحاوط هذا الرجل ولا يريد أن تنكشف ستار قصته للغير، ليكن هذا، فأنا أتحلى بالصبر ولم ايأس، أعلم أن الفضوليين أمثالي هم سبب في نقل الأخبار والقصص والأساطير ولولاي وأمثالي ما كانت هناك ألف ليلة وليلة تحكي حتى الأن، يالي من شاب ماكر ترتسم ضحكة خبيثة على محياي لما أحمله من مكر وذكاء يجعلني أعرف من أين تؤكل الكتف، تبا لتواضعي
دعك الان يا صاح من هذه الترهات ولتستعد لإستنطاق هذا العجوز وما يخفيه من أسرار
وصلنا إلى منزل الرجل وقطعت صمته بسؤالي إن كان يريد أي شئ قبل رحيلي، ولكنه لم يعطني الفرصة وأغلق الباب قبل أن أستكمل كلامي، أعلم أنه لا يرغب بوجود أحد، ولكني لا ابالي، سأرحل واعاود غدا ونحاول ثانية.
أستلقي على سريري وتمر احداث اليوم امامي حتى أنارت فكرة برأسي أن أتصفح الجريدة التي كان يقرأها واحاول فك لغز هذا الرجل، أين انتِ جريدتي الصغيرة؟ أااااه ها وجدتك، الصفحة الأولى عبارة عن اخبار محلية والثانية عالمية والثالثة والرابعة والخامسة عشرة، ما هذا لم أر شئ ملفت للنظر؟ إذا ماذا ؟يا لحيرتي، سأطوي تلك صفحة الحيرة هذه وأخلد إلى النوم وغدا تتكشف الأمور .
باليوم التالي ذهبت إليه لأعوده ولكنه لم يكن مرحبا بي بل لم يفتح لي وأشار لي من خلف النافذة أن إذهب، فلم أستجب له وطرقت الباب ثانية ففتح ثم دفعني العجوز دفعة قوية بإغتياظ شديد، ففغر فمي من تلك القوة التي يمتلكها هذا الرجل رغم بتر يده اليسرى، فابتعدت مطأطأ الرأس مخذول، ولكن هيهات أن يرحل الفضول بداخلي وان أستسلم للخذلان، فتلك افكار المحبطين أما الفضوليين لا يتراجعون ولا يفلتون حبل الوصول إلى ما يريدون، عدت إليه بعد أن انقطع الرجل عن المقهى، فطرقت الباب، ولكنه مواربا فاختلست النظر داخل المنزل فوجدت العجوز ملقى على فراشه لا يستطيع أن يقوم من مرقده، فدخلت عليه بتوجس مخافة أن يطردني كالمرة السابقة، ولكن العجوز استلسلم لوجودي هذه المرة عندما دخلت وحاولت مساعدته، لما ألمّ به من ألالام وأوجاع، فجلست أسأله عن حاله وأحاول أن أطمئنه وأستفهم منه ماذا يشعر؟، ولكن العجوز كان ملتزم الصمت سوى بعض أنات تجتاح جسده النحيل، وبعد محاولات مني أخيرا طلب العجوز أن أحضر له حقيبة سفر من فوق خزينة الملابس، فأحضرتها بشغف كبير ظهر على محياي، وضع الحقيبة بين يدي وساعدته في فتحها فاخرج منها بعض صور له فنظرت بتعجب وراودتني الأفكار تجتاح عقلي هل استسلم العجوز ليبوح لي عن سره ؟أم أنه يخفي شيئا اخر؟، إنتبهت من شرودي على صوته يقطع حبل أفكاري قائلا:
_انظر لهذه الصور وستعرف ما سر صراخي، أنا لست مختلا ولم أفقد عقلي بعد، لكني رأيت ما لم أتصور أن أراه يوما وكأن الدنيا لا تريدني أن أنسى ماضي ابدا، دائما ما يلاحقني في صحوي ونومي ويطاردني في أزقة الشوارع القديمة والأبنية المهدمة وكنت اشغل نفسي بقراءة الجرائد حتى اهرب من تلك الصور التي تمر امامي في كل لحظة حتى وجدتها رأي العين ما جعلني أصدم وتنتابني حالة من الهياج والصراخ.
إلتقطت الصور وبدأت أتفحصها واحدة تلو الأخرى ففوجئت بشئ لم يتصوره عقلي، أغرورقت عيناي ولم أستطع إلجام جماح دموعي فما رأيته كان أصعب من يتحمله قلبي الذي زاد رجيفه وعضضت على أناملي لأحساسي أن الامان قد سلب مني في صورة، نظر لي وانا بتلك الحالة ورأيت بعينه شفقة على حالي أكثر من شفقتي عليه، لم احتمل المكوث معه، هممت بالرحيل دون كلام فكل ما انتابني كان تفسيرا جليا لحالتي، رحلت وأنا أشعر ببرودة في أوصالي واتخبط بطريقي كأني تائه لا يعرف اين مكانه؟، انظر للمباني والطرقات وكأني اراها لاول مرة، ما هذه الغربة التي أشعر بها أيعقل أن تتنصل الاوطان من ساكنيها وان تتنصل البشرية من آدميتها؟ يا إلهي ما هذا الجحود الذي رايته، الناس بالشوارع تنظرتستنكر حالي فالدموع تنهمر بشكل هستيري وأنا أتحدث بصوت مسموع لمن حولي، إهدأ يا صاح فأنت لست وحدك وقبل أن تساورهم الشكوك تجاهك، إذهب الان ولملم شتات افكارك وهدأ من روعك .
يالحماقتي وفضولي !، غالبا ما يكون الفضول سر في قدح النار المضمرة تحت الرماد، فالعبث بها سبب أن تحرق صاحبها أو تنير له درب من دروب المعرفة، ولكني أشعلت فتيل الذكريات عندي وعند هذا الرجل الذي تآكل من نيران الماضي الحارقة، وأنا عبت عليه إخفاؤه لها وانا مثله تماما أخفيت عن الجميع ما تحويه خزانتي، فلكل منا صندوقه الخاص يخفي به بعض قصاصات أو صور وحتى رائحة الماضي، وليست شريطة أن يكون الصندوق بالخارج بل هناك من يصنع صندوق ذكرياته بين ضلوعه فلا يتطلع عليها أحد خاصة الفضوليين أمثالي، هاك صندوقي بين يدي ولم يثير فضول احد، تقبع ذكرياتي بداخله منذ أن رحل أبي وأمي، وأنا أواري سرهم بصندوقي ليس خجلا ولكنه الخذلان والتحسر على حالي وحالهم، أبي وأمي ماتا من الظلم والقهر لم يمر عليهم يوما إلا وهما يتمنيان الموت به، كانا كبقية الاطفال يتمتعان ببراءة يهيما بها كالفراشات، ولكن سرعان ما تلاشت هذه البراءة أمام قسوة الحياة وغربة الروح التي وجداها فيمن حولهم، فهما المستعمر مجرد أدوات يستخدمونها لنهوض اوطانهم ورخاءها دونما أوطاننا التي سقطت كالغزلة تحت مخالب الإستعمار والإحتلال، يتعاملون مع شعوب بلادنا كأنها إرث لهم، ولم يكتفو بالأرض وفقط بل ورثوا البشر أيضا، ولكن هل كانت نظرتهم لوالدي ومن مثلهم كنظرتهم للبشر؟، لا ..بل كانوا يعاملونهم كأنهم حيوانات، نعم حيوانات توضع بأقفاص كتلك بحديقة الحيوان اليوم، يعدون لكل عائلة سوداء قفص كبير من الحديد ويجردونهم من أغلب ملابسهم وينظرون لهم من خلال القضبان الحديدية كأنهم من القردة أو ما شابه، العجيب أني كلما رأيت هذه الصورة التي تجمع والدي مع أسرتهما بقفصين مجاورين أتعجب من نظرة من يسمون أنفسهم بالنبلاء، يالسخرية ..نبلاء؟!
هؤلاء النبلاء لم يروا أي آدمية في ملامح أي أسرة من تلك بالاقفاص، كان من المفترض يسمون أنفسهم بلهاء، فمن البلاهة أن أتنصل من بني جنسي لمجرد أنه لونه مغاير للوني، أو لإثبات نظرية التطور التي ظلت تلاحق العقول لعقود قريبة لتأجج من فكرة عنصرية داخل الأطفال بالمدارس والشباب بالجامعات، عانت أسرتي وكل من كان معهم من وحشية التفكير فضلا عن وحشية التعامل معهم، كل انواع التعذيب والتنكيل بهم كانت متعة خاصة لأولئك الذين فرضوا سلتطهم بقوة البطش والسلاح.
كفي عيناي عن البكاء فما رحل لن يعود، إنما هي أنات الذكريات وندوبها ووخز الجراح تدمي الروح والقلب، أذكر أن امي ذكرت بعض معاناتها مع والدي حين أصيب بذلك المرض اللعين (الطاعون) كتبت بمذكراتها أنه كان يرتعش وتنتفض اوصاله، وما كان من الحضور إلا قهقهات تدوي حوله وهو يسد أذناه بيديه ويتأوه أمامهم ولا يسمعون سوى ضحكاتهم على حركاته اللاإرادية فقد عمت قلوبهم عن التفرقة بين أنين الوجع والتقلب على الجانبين منه وبين الحركات البهلوانية، إنها لا تعمى الأبصار حقا، كانت الدموع تنهمر أمامهم وتستجديهم ليشفقوا على حالة زوجي ولكنهم لا يفقهون، لا يعرفون سوى متعتهم وصخب الحياة والتلذذ بمعاناة الغير وحب التسلط والتحكم بمصائر الشعوب، تلك غايتهم ووسيلتهم لملأ أوعية شهواتهم الناهمة الشرهة، كلماتي لا تسترجع كرامتي وزوجي الإنسانية، ولكني أوثق بعض لحظات من عمري قبل أن يفنى ويبلى هو الأخر وبيدي طفلي الرضيع يتأوه جوعا وانا بالكاد أتنفس ولم يبق سوى بضع لقيمات تقيم صلبي ليوم أخر، لا أدري إن كان هناك يوم جديد ام تنتهي حياتي هكذا .
قرأت كلمات امي وصدرت مني زفرة تشق صدري ومن الالم ويجرحه الأنين ليس لأنهم أهلي وبني جلدتي ولكنهم بشر مثلي يحزنني ما ألمّ بهم فآدميتي جبلت على الميل للفطرة والإنتماء إلى بني جنسي، الإنتماء؟! تلك الكلمة التي لم يتذوقها والدي ولم يعرفا لأي شى ينتمون، لوطن خانع مهزوم؟أم لآدمية تلفظهم وتستنكر وجودهم ؟.
إغلق صندوقك ولا تستجلب تلك الذكريات التي تنتزع روحك، ودعها مضمرة خلف بابه، ولننصهر بذكريات هذا الرجل وننتظر المزيد من معاناته هو الأخر.
نظرت إلى سقف غرفتي متأملا متوسما الغد لعلي أخرج برواية جديدة أو مقال رائع، حتى غرقت بالنوم كالمغشي عليه.
إستيقظت على خيوط الشمس تنسج أشعتها على محياي تداعبني، اليوم سأذهب العجوز ونتحدث كثيرا ويحكي لي سر الصورة، وسأمسك زمام أمري وألجم تلك الدموع من الجموح .
ذهبت إليه وكلي شغف وفضولي المعهود، طرقت الباب ولم يرد علي، عاودت المحاولة ولم تجدي نفعا، سألت الجيران أين الرجل العجوز فصدمتني كلامهم أنه رحل خارج البلاد كما قال لهم، وترك مظروف قال سيأتي شاب ولم يأت لي غيره أعطوه المظروف واطلبو منه ألا يبحث عني ثانية، وقفت مصدوم ومستنكر سفره قبل أن نتكلم، لم يطول وقوفي أخذت افتح المظروف ووجدت الصور ومعها رسالة لي، نفس الصورة التي أبكتني تتقدم الصور تلك الصورة لطفل صغير لم يتجاوز الخامسه من عمره موضوع في قفص معدني كذلك الذي يعد القردة والنسانيس، وبجانبه طفلتان يشاهدانه وكأنهما في حديقة الحيوان، مكتوب بجانب الصورة أنه طفل من الكونغو أتى به المستعمر البلجيكي لمنزله كي تلعب به فتاتاه ويؤنسهما وهو بداخل القفص، شرعت بقرءاة الرسالة:
عزيزي الشاب الفضولي ..لا تؤاخذني لنعتك بهذا الاسم فأنا لا اعرف اسمك ولم أرى منك أي صفة غير فضول يسبق صفة المرؤة التي كنت افتقدها بين الناس، لا بأس فبعض صفاتنا السلبية تكون سببا في محبة الآخرين لمجرد أن تتوافق مع مواقفنا معهم، لا أطيل عليك فأنا أستعد الأن للرحيل بعيدا عن هذا الوطن الذي لم أشعر فيه إلا بالغربة والوحدة.
في ذلك اليوم حين كنت جالسا بالمقهي وجدت عنوان لفقرة حدث في مثل هذا اليوم وبعض الصور ملحقة بالخبر، قبل ذلك اليوم لم يعر إهتمامي بتلك العنوانين ولا تستهويني ولكن بذلك اليوم رأيت بجانب الخبر صورة خطفت قلبي ولبي وجحظت عيناي مشدوهتان من تلك الصورة وحين دققت النظر بها اغرورقت عيناي وتراءت أمامي صور أدمت قلبي وقطعت أوصاله وشعرت بغصة في حلقي واستوقفتني همسات متحشرجة ٱزدردت ريقي بصعوبة بالغة، اليوم ذكرى تحرير البلاد من ذلك المستعمر الذي جعلني مسخ أو دمية في يد بناته كي يسعدهما على حساب آدميتي المهدورة وحريتي المأسورة وأوطاني المسلوبة وروحي المكلومة واعضائي المبتورة، أتدري شيئا ..يدي هذه بترت بيد المستعمر الباغي الذي جعلني أداة لأطماعه وجشاعته فاستعملني أنا وكل أهل بلدي لكي ينهب ثرواتنا التي لم يملك منها شئ، وكانت حجته إصلاح البلاد وتطويرها مثلهم كمثل كل مستعمر يأتي بحجة التعمير والإصلاح وهو اليد الاولى للتخريب والتدمير، مات والدي في إستخراج المطاط الذي اكتشفوه بمنطقتنا وكانوا يقطعون يد كل متراخي ومتهاون في إستخراج الكمية المطلوبه منه ولم يفرقوا في ذلك بين كبير أو صغير فالكل سواء في العقاب حتى بترت يدي وانا ٱبن التاسعة قبل التحرير منهم بسنة واحدة سنة واحدة كانت الفيصل بيني وبين عاهة مستديمة تلازمني باقي عمري، لم يكتفو بتشويه روحي التي عاشت غربتها في جسد بالي نحيل فأصروا أن يتركوا ندبة أخرى في جسدي غير عابئين بطفولتي المشردة ومستقبلي المجهول ،بعد وفاة والدي ماتت امي أيضا في جائحة المرض والجوع التي إجتاحت البلاد، وأنا أسير مستعبد في حقول المطاط هزيل جائع شبه عاري، ورغم كل مأساتي كان النبض في قلبي يرهف مشاعري ويدميه فأبكي دائما على حالي، قتلت البراءة بعيني لم أعرف يوما كيف يلهو الأطفال وكيف العدو له مذاق ولذة يستمتعون بها، وكيف اني كنت سبب سعادة الفتاتان؟، كلما رأيت هذه الصورة أبكي بكاءا مريرا العبرات تسقط من عيني محسورة على وضعي داخل ذلك القفص الحيواني، ألهذا الحد لم يرى هذا الأب سوى اني حيوان أليف يؤنس طفلتاه، طوال الوقت كنت أخفي ذكرياتي بداخلي وأغلق عليها صندوق وضعته بصدري قبل حقيبتي، حتى ذلك اليوم الذي رأيت به الصورة بالجريدة وكأن بركان خامد ثارت حممه وتقاذفت بداخل عقلي ولم أدري بنفسي إلا وأنا أسقط وأنت تلتقطني، أنستني همومي أن أشكرك وأنستني وحدتي كيف نتعامل مع الناس؟، أرجو معذرتي بني، الغريب أنكالوحيد الذي إرتحت لأن أطلعه على ما اخفيته سنين عمري وكأني أردت أن أبرر لنفسي أني لازلت آدمي قبل أن ينتهي عمري وأنسى هويتي، لا أقول لك إلى لقاء قريب بل أقول إلى رحيل قريب سلام لك ايها الشاب الغريب الفضولي.
قرأت كلماته وقد خالطت ملامحي إبتسامة ثغر ودمعة عين، وهمهمت قائلا:سلام عليك ايها العجوز أرجو أن تجد وطنا يحتوي غربتك، أما أنا فسأنشر قصتك هذه لعلي أشعل فتيل هذه الآفة الخطيرة بكل الشعوب المحتلة .
بعد عدة أسابيع من نشر مقالي بالجريدة وكيف لاقى صدى مدوى في الأوساط الأدبية والسياسية والشعبية ايضا، وجدت دعوة لحضور مؤتمر في الخارج بقارة أوروبية وق لاقى المؤتمر ثمرته من حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة ونصت قوانين رادعة لكل من يعتدي على الأخر وتشويه آدميته دون وجه حق حتى لو كان مستعمر مغتصب، إنتهى المؤتمر وعدت إلى بلدتي مرة أخرى وهناك أدهشني وجود الرجل العجوز على نفس المقعد بنفس المقهى يجلس ولكن بدون جريدة، هممت للإقتراب منه وضمه إلي، لكنه لم يعرفني، سألت صاحي المقهى ما حدث له؟ فأجابني بأسى بالغ وقال أنه حاول الخروج ولكن عند حدود البلاد وجد بعض المسلحين يطلقون النار على الناس العزل ويتصارعون على الحكم والسياسة، فرجع يجر أذيال خيبته في أبناء جلدته، وأخذ ينعي وطنه الذي تخلص من المحتل الخارجي والحروب والسطو عليه من الخارج فما لبث حتى إستوطنه أبناءه يبطشون بأنفسهم كأنما إستكتروا الحرية على انفسهم، ومن أين لهم أن يعرفوا معنى الأسر والإهانة وأنا ومن مثلي دفعنا ثمن تلك الحرية بيده وجسدة وآدميته وكرامته، ظل يردد تلك الكلمات حتى نسي عن ماذا يتكلم وفقد النطق تماما.
تألمت كثيرا عليه ولم أعلم أنه بيوم من الأيام سيعاني من غربة روحه داخل جسده كما عانى من غربة روحه وجسدة بوطنه

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
3↑2الكاتبمدونة ياسمين رحمي
4↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
5↓-2الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
6↑3الكاتبمدونة اشرف الكرم
7↑1الكاتبمدونة ياسر سلمي
8↓-2الكاتبمدونة آيه الغمري
9↓-2الكاتبمدونة حسن غريب
10↓الكاتبمدونة محمد شحاتة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑59الكاتبمدونة ياره السيد80
2↑46الكاتبمدونة إيناس عراقي147
3↑45الكاتبمدونة عفاف حسين92
4↑31الكاتبمدونة أحمد زيدان57
5↑30الكاتبمدونة آية الدرديري143
6↑29الكاتبمدونة نهلة احمد حسن60
7↑27الكاتبمدونة نسمه تليمة79
8↑26الكاتبمدونة رشا كمال126
9↑24الكاتبمدونة مني العقدة39
10↑24الكاتبمدونة محمد التجاني104
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1057
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب680
4الكاتبمدونة ياسر سلمي644
5الكاتبمدونة مريم توركان569
6الكاتبمدونة اشرف الكرم557
7الكاتبمدونة آيه الغمري486
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني418
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين406
10الكاتبمدونة سمير حماد 398

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب323955
2الكاتبمدونة نهلة حمودة177842
3الكاتبمدونة ياسر سلمي172447
4الكاتبمدونة زينب حمدي166297
5الكاتبمدونة اشرف الكرم124179
6الكاتبمدونة مني امين115182
7الكاتبمدونة سمير حماد 103575
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي94676
9الكاتبمدونة مني العقدة92324
10الكاتبمدونة مها العطار85661

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة رشا ماهر2025-05-09
2الكاتبمدونة مها اسماعيل 2025-05-09
3الكاتبمدونة طه ابوزيد2025-05-08
4الكاتبمدونة آمال صالح2025-05-08
5الكاتبمدونة غازي جابر2025-05-07
6الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)2025-05-05
7الكاتبمدونة خالد دومه2025-05-03
8الكاتبمدونة أماني بالحاج2025-05-01
9الكاتبمدونة شيماء عبد المقصود2025-04-10
10الكاتبمدونة خالد منير2025-04-08

المتواجدون حالياً

906 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع