في جنازة مهيبة التف الكل حول النعش، والجميع ينتظر صلاة الجنازة في صمت مطبق، ثم دخل شيخ الأزهر ليقوم بالصلاة على المتوفى وحوله رجال الأمن، ثم هرول الناس من أرجاء المسجد ليلتفوا حوله وينالوا من بركاته بحسب فهمهم، والكل يسرع ليقترب أكثر فأكثر، حتى ضاقت حلقة رجال الأمن من حوله وتدافع الناس وتدافعت حشود الناس ليقبلوا رأسه أو يده أو حتى يتمسحوا بملابسه تبركا به.
لم يستوقفني كل هذا كنوع من المغالاة في محبة العلماء أو تبجيلهم، ولكن استوقفني فكرة حب العلماء والصالحين وهل هي فطرة أم أن المصريين خاصة تغلبهم جيناتهم الوراثية في تقديس كل ما هو ديني، ثم طرأ بخاطري سؤال توقفت عنده حتى أني أتخيل حروبا دامية تتساقط فيها الأوراح إذا كان الذي دخل المسجد هو النبي صلى الله عليه وسلم، يا لها من فكرة، سبحان الله، يقولون دائما الشعب المصري متدين بطبعه عطوف ودود رقيق القلب لكل ما هو مقدس وسمته ديني، وتذكرت المصريين القدماء كيف كانوا يقدسون الألهة وأوليائهم من الكهنة، النزعة الدينية هذه تتغلب دائما في كل المواقف حتى في أبسطها، ستجد الرجل البسيط من العوام تلازمه كلمة صلي على النبي (صلى الله عليه وسلم)، حتى الفاجر منهم إذا ذكرته بالله وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم أمامه يهدأ ويصلي عليه كأنك وضعته في محراب خاص للحظات تستروح منها روحه وتنهل من قبس الإيمان لتعيده لهويته الدينية الأصيلة فيه، لا أعتبر الفاسدين في المجتمع قاعدة عامة ولم أعول عليهم، فالقاعدة العريضة تؤكد أن جينات هذا الشعب بالفعل تحمل طبعا دينيا خاصا، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم من حضر الجنازة، لانهال عليه كل من في المسجد تقبيلا وتمسحا بذاته الشريفة، بل من الممكن أن يتقاتل الجميع من أجل نظرة منه صلى الله عليه وسلم، لذلك أنهيت التساؤلات في ذهني عندما تذكرت حكمة الله البالغة في أن تكون الرسالة بالعرب في الجزيرة، لأن قلوبهم ليست كالمصريين تتحمل وجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، أما نحن فأرق قلوبا وأكثر تعصبا له صلى الله عليه وسلم، حكمة الله تتجلى دائما في اختياراته لكل ما يريده من أمور كونية وعقائدية لأناس دون غيرهم، العقول البشرية لا تتفاوت فينا بينها لإستيعاب قدرة الله وحكمته في كل شئ.






































