تتيه بأعيننا لهفة اللقاء وتبرد بأيدينا دفئ المشاعر وتتراجع خطواتنا للخلف مع كل لحظة إقتراب مصحوبة برجفة الخوف من الفراق.
وقفت بمنتصف الطريق على كورنيش النيل شاردة حزينة تخالجها بعض الخواطر،وتتنهد بحسرة على ما حملته لها الأيام في صراع بين ما تعشه وما تحيا به ، تذكرت بداية تعلقها به .. ،لم تفكر أنها ستقع في حب أحدهم ولم تتحسب ،لكن القدر الذي جمع بينهما رغم ظروفهما!
جاءت وهي عازمة على أن تنهي تلك المأساة مهما كلفها الأمر
أثناء شرودها إلتفتت يسارا فوجدته يتقدم نحوها في هدوء وعلى محياه إبتسامة هادئة .
نظرت له وعيناها تعانقه وتحكي له معاناتها بغيابه طيلة أشهر
ألقى التحية وجلسا على مقعد يطل على النيل مباشرة
كانا ينظران إلى الماء ولم يتكلما ولكن همس قلبهما كان يطغى على أصوات المارة والسيارات ،قطع الصمت بسؤاله عن حالها ،أجابت بصوت خافض حزين وإبتسامة باهتة ..بخير
نظر لها وعيناه تمتلئ بالشوق قائلا:
--كلما رأيت إبتسامتم هذه أشعر أن شمس قلبي ستظل مشرقة أبد الدهر.
طاطات رأسها بخجل وعلى وجهها إبتسامة خجل وبهمس قالت:
-وانا أشعر عند كل لقاء أن المسافات والحدود تذوب بيننا وتتلاشى
هبت نسمة هواء داعبت أنفه وخالطته بعبيرها فأستنشق قائلا:
-ما أجمل عطرك!
نظرت إلى الجانب الآخر بخجل وقالت:
-أخجل من بعض كلماتك
قال:هذا أيضا يجعلك ساحرة
مرت لحظات دون كلام ثم قاطعت الصمت قائلة:
-جئت اليوم لأخبرك أمرا ،حاولت مرارا أن أتجاوزه وان أخبرك إياه ولكن ما أستطعت ...
حاول أن يقاطعها فأشارت بيدها أن إنتظر وأستطردت :
-أريد أن أتكلم اليوم دون أن تقاطعني أو تضعف من قوتي ،فتلك كانت مشكلتي بكل لقاء لنا ،أنسى من انا وأنسى الوقت وأنسى حتى كيف سأواجه حياتي بعد كل لقاء ،ثم ترحل وارحل وكاني أعود لسجن إنفرادي لا أحد معي ولا احد أشهر به ولا يشعر بي،فقط كلامنا ومكاننا كل ما أذكره وأعيشه ،أظل شريدة بذهني تائهة هائمة ،تمر علي أيام وأنا أنعزل عن الناس حتى لا تختلط وجوههم صورتك أمام عيني ،لم أرى ولا اسمع إلاك ،ما يحمله قلبي من حب لك أقوى من أن أتحدث بأمر أخر ،ولكن ما بين حب أغرق فيه وبين ألم أحياه ،أعلم انك في حيرة مثلي وأنه لا حيلة لنا غير قوة في تمسك وضعف في إفتراق ،قاطعها قائلا:
-ولكني أحبك
-وأنا أعتصر ألما كلما تطاردني فكرة الفراق وأعلم أنه لا فرار منه ،وأعلم أن كلامي هذا فيه من القسوة ما فيه ،لكن الحياة كان أقسى حين أوقعتني في حبك بالوقت الخطأ ،أقسو على قلبي وأمزقه بيدي قبل أن تمزقه يد الفراق القاسية..
نظر لها نظرات لوم وعتاب ولم يتكلم
قالت:
-لا تنظر إلي بتلك النظرات فإن عتابك هذا يقتلني ،فلا تلومني أنا مغلوبة على أمري ،أعلم يقينا بما تجيش به نفسك وذلك الصراع داخلك ،بل هي حرب شعواء تقتل كل شئ ،وربما قضت عليك أنت ،لكني أحتاج أن تربت على قلبي ،أحتاج أن تتفهم موقفي ،ليس سهلا علي أن أفارق ..
توقفت عن الكلام وأمتلات عيناها بالدموع وتهدج صوتها بالبكاء ،فقاطعها بلمسة حانية على وجهها تمسح عنها ما تأن به ،ثم ضم يديها بيده فٱنتفضت جوارحها ورجف قلبها وقال :
-ماذا إن إبتعدت عنك أهذا سيريحك؟! ،أتعلمين ماذا صنعت بي ؟ ،ليت دموعي تخبرك ، يا الله !! لقد ٱنتفض قلبي بشدة كأنما خرج من قفصي الصدري كلما تخيلت رحيلك .
قالت بصوت متقطع يملؤه الحزن:
-لا تستجديني بدموع عينك فأنا لا أتحملها ،أنا أبكي ..ابكي ..أبكي لا أعرف سوى البكاء ،أعلم أن طريقنا لن يستمر ،وأن وقت الفراق قد حان ،وان حبي لك سيصير ذكرى ربنا تاهت مع مرور الزمن ،ولكني أحبك وهذا يكفيني ولو عشت عليها ما تبقى لي من عمر ،فقط إعلمها وتذكرها دائما ،انا لم احب يوما سواك ،وجودك عامل إتزان بحياتي لقد صرت متيمة عاشقة مريدة ،لماذا هذا العذاب ؟ ،لم علي أن أتعذب كل يوم ؟ لم أبكي كل يوم ؟! ،لماذا كتب علي الحزن والألم ؟ ،هل لأنني وجتك في الوقت الخطأ ؟ هل لأن قلبي لم يرتضي إلا حبك ؟ أخبرني بالله لماذا هذا العذاب ،أنا لم يعد لي أملا ولم يعد لي معنى ولا إرادة .
أطبق على يديها بقوة بين يديه وقال :
-أنا أحبك ،ولا أمتلك إلا دموع أزرفها ألما وحسرة وأنا أراك تبكين ولا أستطع أن أحقق عنك ،أريد أن تبتلعني الأرض أو تقذفني السماء بشهب تحرقني ولا أراك باكية ،أحبك وأعلم أنه لا امل ..احبك ولا أدري إلى أي شط سيجرفنا الموج ..أحبك وأخاف من موج الفراق يعصف بنا وأتيه في بحر لجي وأموت دونك.
نظرت له نظرة طويلة وعيناها تفيض من الدمع ثم تركت يده بقوة وقامت من أمامه مسرعة ولم تلتفت وراءها وتركته وحيدا مصدوما ممزقا ،رحلت لا تمتلك إلا دموعها ولحظة وداع فارقة.