في سبيل المظهر الاجتماعي قام والدي بالبدء مع بدر الملوك من تحت الصفر فأصطحبه الي الحلاق الخاص به وقص  وهذب له شعره والذي كان يتدلي على كتفيه كالحريم وقام بتفصيل سته جلاليب له من أفخر الاقمشه الشتويه ومثلها من الصيفيه  اما بالنسبه للحذاء فلم يتواجد مقاسه في اي محل للاحذيه فأصطحبه والدي للجزمجي الخاص به والذي يفصل لوالدى احذيته وكنت معهما في ذلك المشوار وبمجرد رؤيه الجزمجي لقدم بدر الملوك حتى بادر بالقول ضاحكا..... ياحاج رضوان ده مش عايز جزمجي ده تأخده لنجار يفصل له صندوق خشب يمشي بيه.. انا هاخد ثمن جزمتين علشان افصل له واحده فأمره والدي يعمل حذائين واحد اسود وواحد بني ودفع قيمه اربعه احذيه وفصل لي حذاء اسود فوق البيعه.. ????

اما عن وصف بدر الملوك فهو عملاق غير عادي فطوله متران وخمسه وثلاثون سنتيمتر واكتافه عريضه جدا ويداه طويلتان تنتهي بكفوف بحجم مطرحه الخبيز والقوه ظاهره عليه وتعلن عن نفسها بوضوح اما عن بشرته فهي سوداء فاحمه حتى تكاد تظنه انه قادم من أعماق أفريقيا وذقنه من النوع الاجرودي التي لا ينبت بها شعر  وعيناه شديده البياض والنني بها شديد السواد  علاوه على أنه كان اشول....

وعندما نظف بدر الملوك نفسه وارتدي الجلابيه الجديده وكذا الحذاء الجديد ولف رأسه بالعمامه البيضاء بدا كشخص اخر فلقد ارتسمت عليه الهيبه الشديده والتي تصل إلى حد خوف الناس منه....

اما عن سماته الشخصيه فهو انسان ساذج جدا وطيب جدا... وهادئ جدا ويصدق اي شيئ يقال له وقلبه نظيف ومتسامح جدا.. وأهم سمه فيه هو الرضا الذي يشمل كل جوانحه ويفرح كالاطفال عندما تقدم له أي شيئ يحبه وخاصه الفول السوداني والذي كان يعشقه..... وكان يتعامل معي بمنتهى الموده والحب الصادق والصبر على ماكنت أفعله معه من مشاغبات ومشاكسات دائمه....

وعندما بدأ تنفيذ مهمته معي كان يمسك يدي من المعصم وليس من الأصابع ويقبض عليه كالكلابه التي يمسك بها الحداد الحديد المصهور وهنا بدأت روح التمرد بداخلي تتسلل وافكر جيدا في المقالب التي تجلب له المشاكل واورطه فيها مستغلا سذاجته ففي احد المرات قررت أن اورطه مع والدي فخرجت من الباب الجانبي للمدرسه وهو ينتظرني على الباب الرئيسي لها (مدرستي كانت قصر الدوباره الإعدادي بجاردن سيتي مكان السفاره الامريكيه حاليا) المهم خرجت وسرت في شوارع تخالف خط السير المعتاد له حتى وصلت إلى محل والدي والذي فزع عند رؤيتي منفردا وسألني عن بدر فأجبت لم أجده وبعد مرور ٣ ساعات حضر بدر الملوك ووجهه مخطوف فوجدني جالسا بجانب والدي وياهول مما حدث له من تأنيب وتوبيخ وسباب وانتهى بخصم خمسه ايام من مرتبه ولن انسى منظره وهو خافض رأسه في اتجاه الأرض والدموع تنهمر من عيناه وهو صامت... صعب عليا جدا ولم استطيع النوم في هذه الليله من تأنيب الضمير وفي اليوم التالي صالحته واعطيه سرا ماخصم منه من مدخراتي الخاصه بعد إلحاح مني ووعدته بأنني لن أخبر ابي بذلك.....

واشهد أمام الله أن بدر الملوك بني  الهيبه لي والخوف مني بين تلاميذ المدرسه والاساتذه كذلك حتى أن أحد استاذتي في احد المرات قال لي انا جاي اقابل والدك النهارده الساعه ٦ مساءا بس قبل ماجي ابقى اربط الأسد اللي ماشي معاك ده.... فاهم????

كان بمجرد ظهور بدر الملوك بجانبي او خلفي يحسم اي مشاجره مع أي تلميذ لصالحي ويفر من أمامي كالفأر المذعور.

وتمر الايام والسنوات التسعه التي صاحبني فيها بدر الملوك كحارس شخصي لي بمواقفها واحداثها وانتهى من دراستي الثانويه وادخل الكليه الحربيه واتخرج منها وكان والدي قد احتفظ ببدر الملوك وعمل كحارس للعماره التي انشأها  وبعد تخرجي ذهبت إلى الجبهه فكنت كل اجازه امر للسلام عليه واتذكر بعد حرب ٧٣ وفي اول اجازه حضر الي منزلنا واحتضنني بشده وصدق وكان لا يريد افلاتي من حضنه والدموع تنساب من عيناه فرحا بوصولي سليما....

وتمر السنوات حتى نصل الي عام ١٩٧٥ وفي نهايتها كان قد حل ميعاد إجازته فكلفني والدي بتوصيل كرتونه زياره تحوي الكثير من المواد الغذائيه له لتوصيلها الي اهله وكان ذلك قبل إجازته بيوم فذهبت وجلست معه مده أطول من المعتاد بناءا على رغبته وضحكنا كثيرا ونحن نتذكر المقالب التي فعلتها فيه والمشاغبات معه  وفي هذه الجلسه اكتشفت انه مازال على سذاجته وطيبته المطلقه وفي اليوم التالي قام باجازته وتأخر في ميعاد عودته وبعد اسبوع من الميعاد المقرر لعودته اتصل والدي بأهله فأبلغوه بمقتله في حادث ثأر بين عائلته وعائلة اخرى وكان عمره عندما قتل ٤٥ سنه......... ????

رحمك الله ياصديقي بدر الملوك ربما انت الان بدرا وسط ملوك الجنه ولعل الله عز وجل قد البسك تاج والوفاء والاخلاص والامانه في تنفيذ مهمتك معي

ورحمك الله ياصديقي وسيدي بدر الملوك فلقد تعلمت على يديك الكثير من القيم الجميله منها الاصرار والجلد والصبر على تنفيذ المهام...  

ملحوظه:

السيده التي حاولت قتلي وفشلت داست عليها الدنيا باقدامها  ودار عليها الزمن بقسوه شديده فكفلتها كفاله تامه لمده عشره سنوات كامله ولم افتح معها هذا الموضوع على الإطلاق الي ان توفت عام ٢٠٠٧

                    (انتهى)

المجد لجيش مصر..... وتحيا مصر الوطن....