بعدما تم التوصل الي وقف اطلاق النار في حرب ٧٣ ثم التوقيع علي اتفاقيه فصل القوات الاولي والثانيه صدرت الاوامر الي كتيبتي بالعوده الي مواقعها غرب القناه وترك سريه مشاه مدعمه لتدافع عن الخط الذي وصلت اليه الكتيبه خلال الحرب ووقع الاختيار علي سريتي لتنفيذ هذه المهمه الصعبه .. 

استمر هذا الوضع لمده سته اشهر ثم صدرت اوامر جديده بتعديل مواقع الدفاع الي مواقع جديده ولكنها علي نفس خط الدفاع الرئيسي وكانت المواقع الجديده لسريتي تخص اصلا اللواء ١١٢ المشاه والذي تقرر سحبه لرفع كفاءته نظرا لتعرضه لخسائر جسيمه وفادحه في الارواح والمعدات خلال الحرب وتخصص لي اربعه تباب عاليه لاحتلالها والدفاع عنهم ثلاثه منهم يمين الطريق الاوسط لسيناء وواحده يساره وهي كثيب عيفان والذي كان ضمن مواقع كتيبتي اصلا خلال الحرب وكنت اعرف تفاصيل طبيعه ارضه ولا يسبب لي اي مشكله اما الثلاثه الجدد فلم اكن اعرف عنهم شيئا وهم تبه ابو وقفه والتبه ١٠٤ الشماليه والتبه ١٠٤ الجنوبيه وبمجرد صدور الامر قمت بدراسه طبيعه ارضهم من الخريطه اولا ثم اكدت هذه الدراسه بعمل استطلاع مدقق لهم قبل احتلالهم واتضح من هذه الدراسه وهذا الاستطلاع انهم ليسوا علي مسافات متساويه فيما بينهم علاوه علي بعد مسافاتهم والثلاثه يغطون مسافه مواجهه تقترب من الاربعه والنصف كيلومتر وكان الامر الصادر لي ان يتم الدفاع عنهم باسلوب النقط القويه المنفصله وطريقه الدفاع هذه تعتمد بالاساس علي كفاءه قاده الفصائل وجنودهم وحسن تصرفهم حيال المواقف المختلفه والتي قد يتعرضون لها وحددوا لي ان يكون مركز قيادتي في فصيله المنتصف وهي تبه ابو وقفه والتي كانت تعلوهم جميعا علاوه علي سيطرتها علي الطريق الاوسط لسيناء وامامها الارض مفتوحه تساعد علي المراقبه الجيده لتحركات العدو....المهم قمت بتلقين ضباطي وجنودي بالمهام الجديده وشكلت من السريه اربعه مجموعات قتاليه متماثله في العدد والتسليح واحتللنا هذه التباب واشهد امام الله عز وجل ان قلبي قد قبض من اول يوم لوصولنا لهذه المواقع الجديده وخيمت علي نفسي غيوم سوداء ولا اعرف سببا لها.. .

في تلك الفتره نقل قائدي العظيم المقدم اح رجب عثمان والذي كان دائما داعما لي ومستجيبا لكل مطالبي الخاصه بالكفاءه القتاليه للسريه ولم يتأخر يوما واحدا في تلبيه هذه المطالب طالما تصب في الصالح العام....وتولي بدلا منه قائد اخر لم يدخل الحرب وليس لديه ادني فكره عن العمل في الوحدات المقاتله ولا يهمه اي شيئ في الدنيا الا مصلحته الشخصيه ولا يلبي لي اي مطالب سواءا اداريه او خاصه بضباطي او جنودي وحاولت معه مرارا وتكرارا الا انني فشلت في ذلك فقررت الاعتماد علي نفسي وعلي علاقاتي الطيبه والمحترمه مع. قياده اللواء والفرقه ومتجاوزا اياه...وفي نفس الوقت معتمدا علي الامكانيات المتواضعه التي املكها وتطويعها طبقا لظروف الموقف وظروف العمل وكانت تلك الفتره من اصعب واقسي الفترات التي مررت بها اثناء خدمتي كلها.

وكعادتي في ان يراني جنودي وضباطي يوميا فكان علي ان امر علي هذه النقاط الدفاعيه يوميا سائرا علي قدماي لعدم تواجد سوي عربه واحده مخصصه للمطالب الاداريه للسريه سواءا تعينات او مياه .......فكنت اقطع كل يوم حوالي ١٥ كم سائرا علي قدماي ذهابا وعوده.

اما بالنسبه لاختيار هذه التباب للدفاع فكانت كلها تتحكم في السيطره علي اهم طريق في سيناء وهو الطريق الاوسط علاوه علي طبيعتها الجغرافيه فهي من ناحيه الشرق ذات ميول حاده جدا مما يشكل صعوبه الصعود عليها وارضها رمليه ناعمه اما ميولها من ناحيه الغرب فسهله الي حد ما ولكنها ايضا رمليه ناعمه وكان هناك مدق حجري يمر من خلف هذه التباب ويصل في نهايته الي تبه ليست في قطاعي الدفاعي وهي تبه تل سلام والذي دارت عليه وحوله معارك شديده الدمويه خلال الحرب...ويتفرع من هذا المدق مدقات فرعيه تنتهي عند سفح هذه التباب الثلاثه الخاصه بي ويحيط بكل تبه حقل الغام مختلط مضاد للافراد والدبابات.. .......

كانت المنطقه كلها مقفره وموحشه وكئيبه ورائحه الموت تغلف المكان بالكامل.................انتظروني

المجد لجيش مصر..وتحيا مصر الوطن.