وبدأ البركان يغلي ويفور....
الجندي/ الشحات محمد كامل من احد قري مركز طاميه محافظه الفيوم والتي كانت أيامها من أفقر.... أفقر.... أفقر محافظات مصر وبالذات هذا المركز والذي رسم هذا الفقر صورته البشعه على وجهه عندما انضم على سريتي في بدايه عام ١٩٧٢ فكان يقف في طابور المستجدين عندما عرضوا على مكتبي َمهزوما ومقهورا ولم لا فالفقر في الوطن غربه وعندما حكي لي حكايته اتخذت معه اجراءات استطعت بحمد الله وشكره ان ابدد هذه الغربه بداخله واجعله يعود إلى داخله مزهوا وفخورا ومنتشيا بخدمته في الجيش ...
هو من ناحيه الشكل نحيفا وقصيرا وذو وجهه طفولي حتى انني ظننت ان هناك غلطه في تجنيده ولكنه ذكر لي سنه..
هو أكبر اخواته وحاصل على الشهاده الإعداديه ولكنه لم يكمل تعليمه واكتفي بها وتجند على أساسها.... وكان يساعد اباه في خدمه حقول الغير بالأجر... كان قليل الكلام ومؤدب ومطيع جدا ولم يحدث انني سمعت منه كلمه واحده نابيه وكانت علاقته بزملاؤه علاقه ممتازه فهم كانوا يعطفون عليه لمعرفتهم بظروفه وكنت انا الاخر اعطف عليه بما يتيسر لي من إمكانيات متواضعه وفي أحد مرات اجازاتي الميدانيه حكيت لوالدى رحمه الله حكايته فأعطاني مبلغا من المال من زكاه أمواله وفوضني في توزيعه على من يستحق من جنودي وكان منهم... كانت خدمته معي عباره عن نسمه جميله ذات رائحه عبقه سواءا من ناحيه مدتها او تصرفاته البريئه الطاهره.....
اصيب بدور برد شديد خلال حرب ٧٣ وبالتحديد يوم ١٣ أكتوبر فأرسلت لطبيب الكتيبه المتواجد في منطقه الشئون الاداريه مندوبا فبعث معه ادويه مقاومه لهذا البرد وامرت رقيب فصيلته بأن يريحه حتى يشفي وفي يوم ١٦ أكتوبر كان قد تعافى نسبيا وكان عليه الدور في إحضار المياه ولكن زميله محمد احمد ابراهيم يوسف تطوع بأن يحل محله (حكيت حكايته في البوست السابق) ولكن الغريب والعجيب انه بمجرد نزول زميله الي عربه المياه خرج من حفرته ونزل في حفره زميله محمد احمد ابراهيم يوسف وجلس بها إلى أن حدثت الغاره الجويه على موقع السريه فتسقط قنبله بلي بداخل هذه الحفره فتمزق الجزء الاسفل من جسده حتى انها فصلت رجله اليسرى من الفخذ ويلقى وجهه ربه شهيدا وكأنه كتب عليه هذا الاختيار الرباني هو وزميله ليلتقيا معا في نفس اللحظه لقاءا ابديا عند الله عز وجل وليدخلا باب الصدق الذي وعد به الله عباده المؤمنين..... وعند نقل جثمانه من الحفره ذهبت اليه وفتشت جيوبه واخرجت محفظته وفتشتها فلم أجد بداخلها سوي اربعه جنيهات اكملتهم الي عشرون جنيها سرا وخطاب عندما قرأته وجدت به فقره تخصني لابد من ذكرها وهذا الخطاب كان موجهه الي والده ولم تسنح له الظروف بارساله وجاء به( واعلمك يابويا ان حضره اليوزباشي طلبه (منطوق رتبتي أيامها) يعاملني زي اخوه الصغير واعطاني علبه مربي من تعينه الخصوصي (الخاص) وبيهزر معايا على طول بعد كل اشتباك مع العدو بينادي ويتمم عليا وكل مااقول له تمام يافندم يقولي مش سامع صوتك ياعسكري فأرد بصوت عالي فيقولي انا مش سامع صوت الحريم ده فأعلي صوتي اكثر ويقعد على كده ويخليني اعيد كثير وفي الاخر يقوللي خلاص سمعتك....) فوضعت الخطاب بالمحفظه مره اخرى واعطيتها للمساعد/ محمد حامد ناصف وامرته بالاحتفاظ بها لمده شهر ثم إرسالها مع مندوب الي والده وكان المقصود من ذلك أن يكون اهله قد علموا بأنه استشهد وان يحضر المندوب مايفيد باستلام والده المبلغ الموجود بالمحفظه......
رحمك الله ياسيدي فلقد ابليت بلاءا محمودا خلال الحرب ولا أشك لحظه واحده في انك الان تتمتع في حياتك الجديده ولما لا فأنت في كنف الله وفي معيته التي اختص بها من كان مثلك....
،،،،،،،،،،،،،، انتهت