لم أكن أعرف أن الوطن ليس خريطة،
ولا نشيدًا يبدأ بالنصر وينتهي بالتصفيق.
الوطن، يا صديقي،
ظلُّ أمّي على باب المساء،
رائحة الخبز حين يشتد القصف،
ووجه أبي حين يعود منهكًا من انتظاره.
لم يكن الوطن سؤالاً في كتب الجغرافيا،
كان ارتباكًا في لهجتي حين أسأل: من أين أنا؟
وكان دمعًا محتبسًا في عيون الذين نسوا أسماء الشوارع
لكنهم لم ينسوا أغنيةً قديمة
غنّوها ذات وداع.
الوطن ليس الذي نسكنه،
هو الذي يسكننا دون أن ندري.
يجلس في الصدر كيتيمٍ بلا ملامح،
يُربّي الحنين كما تُربّي الأرضُ حنظلَها.
نراه في الحلم طفلًا يركض في الأزقة،
وفي الصحو جثمانًا يلوّح من نشرة الأخبار.
في الوطن كنت أكتب،
لكن الورق كان يعتقلني.
كنت أتكلم،
لكن الصوت كان يختبئ بين خوذةٍ وجدار.
كنت أتنفس،
لكن الهواء كان يمرّ على قائمة الممنوعات
قبل أن يصل إلى رئتيّ.
الوطن ليس بخير،
وأنا كذلك،
كلانا يكتب الآخر على هامش الغياب.
وحين يسألونني: أين الوطن؟
أشير إلى صدري
وأقول: هنا…
لكن لا أحد يرى الخراب كما أراه