في قرية صغيرة على أطراف الغابة، وُلدت طفلة تُدعى همسة.
كانت تختلف عن بقية الأطفال؛ إذ كانت تنظر للسماء أكثر مما تنظر للأرض.
كانت تؤمن أن للعصافير لغة، وأن النجوم ترسل رسائل خفية لا يلتقطها إلا قلب طاهر.
كبرت همسة قليلًا، وصارت تذهب كل مساء إلى شجرة عالية عند حافة الغابة؛ شجرة باسقة تُشبه حضنًا ثابتًا لا يشيخ.
هناك، كان يزورها طائر رقراق يلمع جناحاه كألوان قوس المطر، يحملها بنظراته إلى فضاءات أبعد مما تعرف.
كانت تُحادثه همسًا، فيُجيبها بصرخات خفيفة تشبه الغناء.
وذات يوم، وبينما كانت تحلم بالطيران معه، خرجت من أعماق الغابة أنثى عنكبوت ضخمة، نسجت خيوطها كالستار أمام الطفلة. قالت لها بصوت مخملي:
"اقتربي يا همسة... سأريك أسرارًا لا يعرفها أحد. يكفي أن تتخلي عن أجنحتك الصغيرة."
ارتبكت الصغيرة. نظرت إلى العنكبوت، فرأت في عينيها بريقًا يخفي غلًّا أسود. ثم التفتت إلى الطائر الرقراق، فوجدت عينيه تلمعان كنافذة أمل. والتفتت إلى الشجرة، فشعرت بجذر خفيّ يربطها بالأمان.
هنا، أدركت همسة أن الحياة ستظل تمدّ أمامها خيوطًا تُقيّد، وأجنحةً تُحرّر، وجذورًا تحفظها من السقوط.
فابتسمت، ومدّت يدها للطائر، وقالت:
"أفضل أن أتعثر في السماء، على أن أُسجن في خيوط لا تنتهي."
وحين ارتفعت قليلًا، أدركت أن الله لا يترك قلوب الحالمين.





































