أهلكني طبعُها،
ولا أدري كيف يكون كسرُ الخاطر لِينًا مستساغًا على بعض القلوب.
أراها ظل طفلة ،متقلّبة، رخوة كهدير ماءٍ ساقه الله إلى أرضٍ جدباء، فاهتزت وربَت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج،
ثم لا تلبث أن يصيب جوفها ريح عاصف، فتجفّ وتتصحّر،
فلا خيرٌ يبقى، ولا شرٌّ يستمر.
هي مزيجٌ من الحنان والإحساس، قادرة على أن تُضحّي حتى تفنى،
ولكنها....
حادة القول، سريعة الغضب، لا تفكّر قبل أن تنطق،
تظن أن أي لينٍ تقدّمه سيكون بابًا لهوانٍ جديد،
وقد رأت بعينيها ما تعرّض له أبواها من ظلمٍ داخل رحم العائلة.
رأت كيف أُكل مالهم باسم القربى، وكيف صبروا لا خوفًا، بل اتقاءً لما تبقّى من ودّ،
لكن الودّ لم يُصن، والحرمات لم تُحفظ، والخيانة جاءت ممن يُفترض بهم الحماية.
رأتها تكبر والخذلان يصير درسها الأول،
فأصبحت تخشى التصديق، وتهاب العطاء، وتشكّ حتى في الطيبين.
يعذبني تشتّتها، ويؤلمني أني لا أملك مفتاحًا يعيد إليها الثقة والأمان.
لكنّي أؤمن، رغم كل شيء، أن الطيبة التي في جوفها لم تمت، بل تاهت خلف طبقات من الخوف والحذر.
وأعلم أن الأيام قد تسرق من القلب سذاجته، لكنها لا تقتل نوره إن بقي فينا أثر من صدق النية.
سأبقى لها السند، أرمم ما تهدم منها بصبري، لا بكلماتي وحدها،
وأدع الله أن يطمئن قلبها، ويكسر تلك الحلقة المفرغة من الظلم والرد بالظلم،
علّها تدرك يومًا أن السلام الحقيقي لا يُمنح، بل يُبنى بصبر العارفين،
وأن في الصمت أحيانًا، حكمة لا يقدر عليها إلا الأقوياء.
فلنكن من أولئك الذين يمشون على الأرض بخير،
حتى وإن وطئتهم أقدام الخيبة،
فالله لا يضيع من سار إليه بقلبٍ سليم.