ودعته منى والدموع فى عينها وهى تترجاه للمرة الأخيرة قائلة(أرجوك ياسامح بلاش تسيبنا لوحدنا هنعمل ايه من غيرك.طيب مش مهم أنا فكر فى أولادك مين اللى هيربيهم معايا أنا مش هقدر أعيش من غيرك ولو لثانية واحدة).أجاب سامح قائلا(أرجوكِ يامنى متصعبيش عليا الموقف أكتر من كده أنا بعمل ده كله ليه مش علشانكوا وبعدين هى سنة واحدة وهرجع علطول,علشان مستقبل ولادنا
وعلشان أقدر أعيشك فى مستوى أحسن) ردت منى(أنا مش عايزة حاجة من الدنيا غيرك) نظر إليها سامح نظرة ترجى والدموع فى عينه يحاول أن يخبئها وحمل شنطة السفر وخرج وأغلق الباب من ورائه.أحست منى مع غلق الباب بالخوف والوحدة ياااه كل هذا الخوف تملك قلبها منذ أول لحظة فراق فماذا ستفعل فى كل تلك الأيام الموحشة طوال السنة ومرت الأيام وسامح يكلم منى كل يوم وهو بالخارج ويحكى لها مرارة الغربة ومدى اشتياقه لها ولأولاده ولكل ركن فى البيت ومنى عندما تسمع ذلك الكلام تقول له أرجع إلى بيتك
ونحن لا نريد منك شيئا فيقول لها(هانت خلاص والسنة قربت تعدى) ومرت أيام أخرى وأوشكت السنة على الانتهاءوالفرحة تغمر قلب منى وكانت تستعد لرجوع زوجها الغائب وتعد كل ثانية على لحظة رجوعه وذات ليلة رن جرس الهاتف فقامت منى تهرول لتجيب فرنة الهاتف تدل على إنها مكالمة من الخارج وأجابت بكل لهفة
منى:ألو.. سامح ؟
سامح:بعد صمت لدقائق) أيوة يامنى أنا سامح
منى:مالك,صوتك غريب شوية
سامح:مفيش حاجة
منى:إزاى مفيش حاجة واضح من كلامك إنه فيه وحاجة كبيرة أوى كمان
سامح:ممكن أطلب منك طلب يامنى بس متزعليش
منى:تجيب بخوف)أتفضل طبعا
سامح:ممكن أمدد إقامتى سنة كمان
منى:.......!!!!
سامح:مبترديش ليه,بجد دى فرصة مش هتتعوض علشان نقدر نشترى العربية اللى بنحلم بيها
منى:تجيب بصوت عالً)أنا مش عايزة عربية ومش عايزة حاجة خالص براحتك ياسامح اللى أنت شايفه صح أعمله
مرت أيام وليالى السنة الثانية على غياب سامح ومنى وحيدة تشتكى همومها لجدران غرفتها التى أرتسم على كل جدار من الجدران
الأربعة حزن كل ليلة فراق,دمعة كل يوم فى البعد,أسى ومرارة الوحدة وأتت السنة الثالثة وحدث ما كانت تتوقعه منى.فسامح أراد
أن يظل فى الغربة. ومرت بعد تلك السنة سنة أخرى بل وسنين وذات يوم رن الجرس فأرتعبت منى خيفة بأن يكون جرس الهاتف
معلن غياب سامح لهذه السنة أيضا ولكن هذه المرة كان جرس الباب فتحت منى الباب لتلتقى بالمفاجأة(رأت شخصا شعره أبيض وهزيل وترتسم على معالم وجهه شقى السنين)فقال لها هذا الشخص(منى إنتى مش عرفانى )فأجابت منى (معقول تكون هو) فهى عرفته من نبرة صوته الذى ظل يرن فى أذنيها لمدة عشر سنين ودخل سامح بيته وأخذ نفسا طويل يشتم فيه رائحة كل ركن فيه ووجد شابان يافعان فنظر إليهما وقال لهما(كبرتوا أوى ياولادى تعالوا فى حضنى) فنظرا إليه بإستغراب قائلين(معقول تكون أنت بابا شكلك اتغير أوى عن الصورزمان) وأحس سامح بنفور من قبلهما تجاهه وبعد ذلك اللقاء الذى شعر فيه سامح بالجفاء من أولاده حتى من حبيبة عمره نظر إلى منى وقال لها ماذا يحدث يامنى؟ّّّ مابكم؟!!! فقالت منى(لهم حق ما هما مش عارفينك غير من شوية
صور)أستغرب سامح من كلامها وقال لها(مالك يامنى إنتى إتغيرتى أوى) ضحكت وقالت(لازم أتغير مش عشر سنين,عشر سنين
من الأسى والحزن والبعد والفراق والألم والوحدة أكمل ولا كفاية كده عايزنى أقولك أكتر أسأل كل ركن فى البيت وهو يحكيلك
على اللى أنا شوفته فى غربتك,جبت العربية ياسامح,حوشت الفلوس,أمنت مستقبل ولادك برافو بجد برافو)
انتهت منى من كلامها وعم الصمت المكان بأكمله ونظر سامح إلى شنطة السفر وأنزلها من يداه وقال لمنى(مش هسافر يامنى أنا هفضل هنا ومش مهم الفلوس ولا مهم العربية,المهم إنتى وأولادى) وفتح باب الأمل له من جديد هو وزوجته وغلق هذه المرة باب ولكنه ليس باب بيته بل باب الغربة.
*فكل ما حدث هذا كان يدور فى مخيلة سامح عندما حمل شنطة السفر وقرر أن يخرج من بيته ورأى نفسه فى الغربة وهى تلتهم منه أحلى سنين العمر وتخيل عودته بعد سنين ولقاءه مع زوجته وأولاده فقرر أن يبقى مع زوجته فى بلده يستنشق هواها الجميل ويشاهد وجوه الطيبة فى ناسها واستغنى عن تلك الغربة التى كانت ستقضى على سعادته برؤية أولاده وهما يكبران أمام عينه
فبئس تلك الغربة وأيامها الطويلة.!!!!