هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة سوميه الألفي
  5. عائشة

تستجمع قوتها في محاولة منها لجر تلك الحزمة التي تضاعف حجمها مرات من قش الأرز(ليتك هنا يا أماه كنتِ تخبزين وحدك ونحن نيام) تنظر خلفها لتقدر المسافة بعينيها الباكيتين في ذلك الظلام؛ لم تبزغ خيوط الفجر بعد؛ لتسدل عليها بعضاً من الطمأنينة؛ تجر بكل قوتها وتنظر خلفها مجدداً حتي وصلت لحافة السطح، تستدير بهدوء، تلتقط أنفاسها المتهدجة، تدفع الحزمة بكل قوتها، تصرخ عائشة من أسفل، كفى كفى توقفي، لا مناص، سقطت من فوق السطح، ثوان معدودات لكنهن مررن على الأخوات كالدهر، تئن وتخبرهما أنها بخير وألا تجزعا، تهرعا إليها، تحمدا الله أنها سقطت فوق القش، تستند على أختيها وتحاول الوقوف، جاء والدهن يبدو أن صوت الصراخ وصل إليه في ( زريبة المواشي التي فرغت إلا من جاموسته المريضة) جَزِعاً يستفسر عما حدث، يقصصن عليه كيفية سقوطها، يحمد الله على عقباه، تئن لكن هذه المرة بصوت عالٍ، لا تستطيع الوقوف على قدمها، لابد أنها التوت ،يحملها والدها ويدخل إلي الدار ومن خلفه أختاها جزعتين، تبكي من فرط الألم، لا يدري والدها ماذا عساه يفعل ؟ يذرف الدموع لتذكره أم عائشة، كانت تتصرف وحدها في مثل تلك المواقف، وما إن رأين دموعه، حتى سالت الدموع على الوجنات، مازال الجرح حديثاً، لعن الله الفراق، صغيرات مازلن على اليتم والفقد، جديد هو على تحمل مسؤلية الأبناء، حاولت عائشة تدليك قدم أختها، لم تتحمل الألم، يبدو أن القدم تورمت، سوف أذهب لإحضار سيد الحلاق، لا تقلقن.
أودع دموعه بجوار لهيب صدره طي الكتمان، مشي بخطوات راكضة، يخربش الأرض بقدمين ممتلأتين بالأخاديد، مازال الوقت باكراً لكن معتاد سيد على مثل تلك الحالات فهو بمثابة طبيب القرية، بل ربما يثق فيه الناس أكثر من طبيب الوحدة الصحية، يطرق الباب بيد الرجاء، فيرد سيد بصوت يشبه الشخير، يشرح له حالة ابنته دون أن يُعرف نفسه للحلاق الذي فتح الباب مستنكراً ومازالت بقايا النوم عالقة بأجفانه.
يقلب في قدمها يمنةً ويسرة ثم يستجمع كل قوته بعد أن عرف موضع الألم ويجذبها لتقرقع عظامها، تصرخ المسكينة من شدة وجعها، يخبرهم أنها ستكون بخير بعد بضعة أيام، يخرج من دارهم متأبطاً ديك صياحه أوقظ كسالى القرية ممن سبقتهم الشمس في الخروج.
مر الأسبوع عليها وهي مازالت على نفس الحال، تورم قدمها زاد وتحول للون الأزرق، قال سيد وقد توردت خدوده من أثر لحم ديكهم الفقيد، لا حيلة لي فيها لابد أنها مكسورة وتحتاج للجبس، أشار عليهم بالذهاب للوحدة الصحية، اصفر وجه أبيها كأن ابنته سوف تُوارَى التراب بعد قليل، فقد تذكر آخر مرة ذهب فيها إلى تلك الوحدة المشؤمة، وهو يستنجد بالطبيب كي يذهب معه لينقذ زوجته التي تعسرت ولادتها ولم تعد هناك حيلة للداية فيها، ظل صراخها يدوي في أذنه حتى سمع صراخ ولده الذي انتظره طيلة اثنتي عشرة عامًا لم تنجب فيها زوجته غير البنات ، لتخرج الداية ناحبة وتليها أخت زوجته تصرخ لقد ماتت أختي، وسط دهشة الرجل الذي يحتضن بناته بدموعه، خرج الطبيب الشاب هو الآخر ينعي له زوجته، هز رأسه ليهش عنها الذكرى، مقرراً أنه لن أذهب بابنته لذلك الطبيب مهما حدث، إذن ليس أمامه غير المجبراتي، أو عيادة خاصة في المركز كما أخبره سيد مستنكراً أنه يقدر على تكلفتهم..
ليس في جيبه غير جنيهين، يفكر في أي شيء يبيعه كي يأتي ببضع جنيهات أخرى، فأهل القرية أصبحوا يتهربون منه من كثرة اقتراضه للمال، ليس شحاً، معذورون هم فالفقر خيم وحط رحاله في قريتهم بالكاد يحوزون أقوات يومهم، يُحسبن فيمن جعلوه يستدين كي يُنقذ أرضه قبل أن يُحجز عليها، ولم يكفهم ذلك بل حرقوا محصوله أيضًا، كل ذلك لأنه رفض أن يزوج ابنته لابن العمدة (الأهبل).
هرب من أنين ابنته، ليسمع خوار جاموسته التي رفضت الأكل وجف ضرعها مذ فارقتها صاحبتها، فكر أن يبيعها لكنها عزيزة عليه، خاصةً بعد أن رأى دموعها على زوجته، يُطرق الباب فتدخل أخت زوجته التي تكفلت بإرضاع ولده، دموعها أغرقت الصغير الذي يصرخ بين يديها، ترجوه أن يسامحها لأنها لم تعد تستطع إرضاع ابنه مجدداً، وأنه قطعة من أختها ظنت الله عوضها به عن فقدانها، لكنهم هددوها بقتل زوجها، نصحته أن يتم تلك الزيجة، فالعمدة لن يترك ولده الوحيد دون زواج، خاصة أن هذا (الأهبل )هو من اختار عائشة التي كان يلعب معها بالأمس القريب في شوارع القرية.
وسط سيل من الدموع تناولت عائشة أخيها، احتضنته بقلب يحتضر، وهدهدته بيد قيدها الذل حتى غلبه النعاس، أودعته فراش أنهكته تقلبات أجساد تتقلب في جمر الجوع ليلاً، تحضر بعض أرغفة الخبز المخبوز بنيران الصدور، وقطعة جبن قديمة اكتسبت لون أيامهم من كثرة ما نخرت فيها الديدان، وضعتهم أمام أبيها الذي بُح صوت معدته من الاستغاثة وهو لا يبالي بها، يسألها عن أخواتها إذا كُن أكلن، فتجيبه بنعم، تسأله ماذا سيفعل ؟ ولا تسمع غير صوت أنفاسه التي تجذب أضلعه معها خارجاً، وتترك قلبه هناك يرتجف بلا مأوى.
يصحو الصغير باكياً، يبحث بفمه عن صدر يحنو عليه، أودع الله بقلب أخته فطرة الأمومة، تقلب بعض السكر ببعض الماء وتسقيه، أرغمه الجوع على تجرع مالا يستثيغ وينام.
يحاول النوم لكن القلق والخوف رفيقيه يعزفا له معزوفة الظلم على أوتار الأيام المشدودة، يهب من فراشه، يوقظ بناته، يجمع بعض الحاجيات في جوال فارغ ويحمله علي ظهر أحناه الذل، تحمل ابنته الوسطى أخاها، تسند عائشة أختها الكسيرة تجر قدم العذاب نحو مجهول حالك تتوقفان كل بضعة أمتار لتلتقط أنفاساً محملة بالألم، ويرحلون تحت عباءة الليل الأسود ...

تصمت للحظات؛ فيصفق حفيدها ( الحمد لله أنهم هربوا من العمدة الظالم يا جدتي )
يدخل عليهم يهتز ويجر رجله خلفه، تمسح له أنفه وفمه وهي تبتسم بعيون دامعه( لا تدري يا مسكين كم كان مدى كرهي لك في البداية؛ لكنك كنت طريقي الذي حفرته بأظافر الانتقام؛ لأخذ ثأري من أبيك العمدة الذي قتل أبي على قارعة الطريق بدم بارد؛ وأرغمني على الزواج منك؛ وها أنا ذا أجلس في دوار العمدة القديم زوجة لابنه وأم لحفيده ؛ وأخي يجلس على كرسي العمدة نفسه؛ أما الظالم أبيك فاتضح أنه من ورَثَك الخبل ومات في مستشفى الأمراض العقلية وأراح الناس من ظلمه )
فيصيح الصغير ( جدي لقد فاتتك حكاية جدتي مجدداً، هيا لتلعب معي ؛ فأنت تحب ذلك رغم خسارتك كل مرة )
تمت

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد شحاتة
3↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
4↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
5↓الكاتبمدونة اشرف الكرم
6↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
7↑1الكاتبمدونة ياسر سلمي
8↓-1الكاتبمدونة حسن غريب
9↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
10↓الكاتبمدونة آيه الغمري
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑21الكاتبمدونة رشا ماهر131
2↑19الكاتبمدونة حسن رجب210
3↑19الكاتبمدونة شيماء الجمل141
4↑17الكاتبمدونة خالد دومه114
5↑12الكاتبمدونة اسماعيل ابو زيد78
6↑10الكاتبمدونة احمد زكريا77
7↑9الكاتبمدونة خولة سعيدان171
8↑8الكاتبمدونة علا الأزوك120
9↑8الكاتبمدونة نورا عبد الفتاح68
10↑8الكاتبمدونة صفا غنيم88
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1062
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب684
4الكاتبمدونة ياسر سلمي649
5الكاتبمدونة مريم توركان573
6الكاتبمدونة اشرف الكرم561
7الكاتبمدونة آيه الغمري492
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني420
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين415
10الكاتبمدونة سمير حماد 400

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب326638
2الكاتبمدونة نهلة حمودة181808
3الكاتبمدونة ياسر سلمي174781
4الكاتبمدونة زينب حمدي167844
5الكاتبمدونة اشرف الكرم125550
6الكاتبمدونة مني امين115512
7الكاتبمدونة سمير حماد 104903
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي95469
9الكاتبمدونة مني العقدة92961
10الكاتبمدونة مها العطار86354

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة عبير سعد2025-05-23
2الكاتبمدونة هاله اسماعيل2025-05-18
3الكاتبمدونة محمد عرابين2025-05-15
4الكاتبمدونة اريج الشرفا2025-05-13
5الكاتبمدونة هبه الزيني2025-05-12
6الكاتبمدونة مها الخواجه2025-05-10
7الكاتبمدونة نشوة ابوالوفا2025-05-10
8الكاتبمدونة كريمان سالم2025-05-10
9الكاتبمدونة رشا ماهر2025-05-09
10الكاتبمدونة مها اسماعيل 2025-05-09

المتواجدون حالياً

619 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع