يوم مشهود تتعانق فيه الأرواح في رحاب الرحمة الإلهية، فيه يمتزج الخشوع بالبكاء، والدعاء بأعذب الرجاء. يومٌ تجتمع فيه قوافل الحجيج على صعيد عرفات، كل قلب يحمل بين جوانحه شوقا للغفران، ولهفة للقبول. يوم تسكن فيه الرياح، خشية أن تعكر صفو اللحظة، تتلألأ السماء بنور الطهر، وتنطلق الدعوات كطيور تبحث عن أبواب السماء المفتوحة. هناك يقف الحاج، عيناه متلهفتان لرحمة تنهمر من سحائب المغفرة، ويداه مرفوعتان يناجي خالقه، في صمته حديث طويل لا يبوح به إلا لمن يعلم السر وأخفى.
عرفة هو فصلٌ من فصول السكينة، ساحةٌ من ساحات الصفاء، فيه تذوب الحدود بين الأرض والسماء، ويشعر الإنسان كأنه وُلد من جديد، طاهرا، نقيا، متحررا من أثقال الذنوب. إنه يومٌ تكتمل فيه صورة العبودية، حيث تتجلى الحقيقة العظمى: أن العبد لا يكون إلا بين يدي ربه، متضرعا، راجيا، محبا.
ما أعظم هذا اليوم، وما أروع تلك اللحظات التي يسطع فيها الأمل، وتتجدد فيها الحياة، وتُفتح فيها أبواب الرحمة على مصراعيها، ليعود العبد إلى ربه بقلبٍ أبيض وروحٍ ملؤها السكينة واليقين.