ذكريات 
شهادة صادقه للتاريخ كنت في صيف عام 1962 قد انتهيت من إمتحانات شهادة "القبول الاعدادي" بمدرسة أكيسلر الإبتدائية، وبحمد الله نجحت وأتذكر بمجموع 266 من 300 .
وكان ترتيبي "الثالث" على المدرسه بعد زميل الطفوله اللواء دكتور مهندس Ahmed Hassan Lotfy فى المركز "الاول"، والزميل لواء دكتور مهندس سامي عبد الملاك في المركز "الثاني" ، وأنتظر قضاء شهر اغسطس فى الاسكندريه .
كان معلوما أن المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ، وأسرته ، وجهاز رئاسة الجمهوريه يذهبون إلى الإسكندرية لقضاء شهر اغسطس فى الاسكندريه كل عام . وطبعا يرافق الرئيس فريق الحرس الخاص للرئيس التابع لشرطة رئاسة الجمهورية.
وكان مسموح لعائلات فريق الحرس الخاص للرئيس بالذهاب أيضا للمصيف فى الإسكندريه. كان الرئيس وأسرته ينزلون فى المعموره فى ڤيلا يقابلها ڤيلا أخرى مشابهة تماما للمرحوم المشير عبد الحكيم عامر وأسرته . أما نحن عائلات الحرس الخاص كنا ننزل فى مبني داخل قصر المنتزه .
أتذكر كنا نصل الي بوابة قصر المنتزه من ناحية المندره ، وياخذنا رجال الجيش من الحرس الجمهوري من البوابه فى سياره چيب عسكريه تسير داخل حديقة القصر الضخمه حتى نصل إلى حيث سنعيش لمدة شهر نحن وباقى عائلات رجال الحرس الخاص فى مبني بجانب القصر كان يطلق عليه "مدرسة اولاد الملك" !!
جهزت المرحومة والدتي حقائب السفر لأسرتنا ، وذهبت هى واخواتي للنوم قليلا قبل منتصف الليل ، وانا في هذه الليله كنت سهران منتظرا والدي المفروض أن يكون فى المنزل تقريبا 30 دقيقه بعد منتصف الليل. ولكنه تأخر ولم يحضر.
فى حوالي الساعه الرابعة فجرا ، سمعت باب الشقه يفتح ، فخرجت من غرفتي فوجدت والدي يقلع حزام جراب طبنجته ويضعها كالعاده فى درج . قال والدي ٱنت سهران ليه يا سمير ؟ فقلت : انتظرك يا والدي .
جلس والدى فى غرفة الجلوس يبدوا عليه مظاهر الانهاك .. ثم نظر لي وقال : الريس بهدلنا الليله !!
فنظرت مستغربا فقال : كان المفروض يطفئ الرئيس النور فى مكتبه حوالى منتصف الليل ، ولكن فوجئنا بأنه خرج من المكتب طالبا سيارته الخاصه الملاكي .
قال لقائد نوباتجي الحرس الخاص العميد شرطه صلاح محرم : يا صلاح انا عاوز حالا انزل نص البلد ، وساسوق سيارتي بنفسي وبدون حراسه ! رد العميد صلاح يا فندم لازم الحراسه ! نظر له ولم يرد ، وخرج من "باب الخدم" وهو باب صغير بعيدا عن الباب الرئيسي لمنزله بشارع منشية الطيران بمنشية البكري.
خارج الباب استقل سيارته الخاصه وكان يلبس كاب على رأسه وبالطوا صيفي رافعا ياقته ونظارة طبيه سوداء. تقدم العميد صلاح ووضع بجانبه جهاز لاسلكي. وكان اعطي أوامر لسياره بها عدد من فريق الحرس الخاص وأمرهم بمتابعة سيارة الرئيس عن بعد.
انطلق الرئيس فى اتجاه شارع 26 يوليو . وتبعه عن بعد سيارة الحرس الخاص. توقف الرئيس فى أول شارع 26 يوليو ، وترجل ، فترجل رجال الحرس وتابعوه عن بعد . كانت الشوارع هادئة !!
اخذ الرئيس يتوقف أمام ڤاترينات محلات الملابس ، ومحلات الاحذيه تباعا ، ويخرج من جيبه ورقه ويسجل عليها . استمر كذلك لمدة ساعه ونصف ، ثم عاد إلى سيارته ، وركب و قفل باب السياره بعنف .
لاحظ الحرس أن الرئيس يسوق بسرعه غير عاديه ، فتكلم معه العقيد شرطه كمال عشوب عبر اللاسلكي:
يا ريس برجاء هدي السرعه شويه !! لم يرد !! المهم وصل لمنزله ، وخرج من السياره ، ومرة أخري رزع باب السياره بعنف.
طلع الرئيس إلى مكتبه ورفس باب المكتب برجله ، ودخل وسمع الجميع صوته غاضبا ويصيح بصوت عال فى التليفون : يا محمد (سكرتيره الخاص محمد احمد) ، صحي وزير الزفت التموين ، ووزير التعليم ، يا محمد أنا بنفسي شوفت من شويه اسعار اطقم زى المدارس صبيان وبنات ، يا محمد إزاى الناس ها تدفع الأسعار دي ؟ يا محمد الأسعار دي لازم تنزل بكره ؟ ورزع سماعة التليفون من غضبه 
ثم تنهد والدي قائلا : انتم هاتسافروا بكره الساعه 2 ظهرا ، اذهبوا إلى محطة رمسيس واركبوا قطار الاسكندريه ، انا ها اكون فى قطار الرئاسه مع الرئيس ، واشوفكم فى المنتزه 
يشهد الله على ما اقول ، ورحمة الله على المرحوم جمال عبد الناصر ، ورحمة الله علي والدي 
1
-2
