حبل المشنقة

لا يبدو عليه أي أثر لضغوط أو مشكلات، متماسك طول الوقت، ثابت في انفعالاته، يساير الجميع ويتواصل معهم، يضحك ويمرح، وأحياناً يقلق ويحزن، ولكن بصورة طبيعية لا مجال فيه للريبة والشك، يظن الجميع أنه لا بأس به، وأن كل وسائل الراحة والترفيه متوفرة لديه، بل والمال يجري بين يديه.

تكاثرت الشائعات حوله بأنه يعمل في جهة أمنية خاصة، وأنه يتواجد بين الناس لفترة معينة لأداء مهمة محددة موكلة إليه، وآخرون يحسبون أنه من ذوي الأملاك، وبأنه شهريار عصره في تعدد علاقاته النسائية، هم يسمعون ويرددون.

لقد ترك رسالة كتب فيها:

لقد مررت بأسوأ الظروف وأصعب اللحظات، وضاق بي الحال كثيراً، إلى الحد الذي تفزع فيه النفس رهبةً وخوفاً من مصير مجهول، غلبتني عزة نفسي في ضائقتي، وعندما هداني تفكيري إلى المقربين مني، سألتهم وطلبت منهم مد يد العون، والمساندة فيما أمر به، ولكن حججهم سبقتهم في رفضهم الوقوف بجانبي، وأنا الذي لم أتأخر عنهم أبداً في أزماتهم، وكنت أحس بهم قبل أن يشكوا أو يسألوا أو يطلبوا.

لقد آذيتموني كثيراً وأنا لم أؤذكم، كنت لا أردكم، وقلبي يسعكم جميعاً، وأنا لم يسعني ولم يسمعني أحد.

وختم رسالته قائلاً: "أودعكم يا خلق الله".

قرأوا رسالته وهم ينظرون إليه في فزع وألم؛ مشنوقاً تحت سقف غرفته، التي كانت له حياة بين جدرانها ولكنها بنكهة الموت، ثم قالوا فيما بينهم: "ليتنا مددنا له أيدينا، قبل أن يمدها لنفسه بوضع الحبل في رقبته لإنهاء حياته، ووضع تلك النهاية المأساوية المفجعة".