طال صمتها وانسحابها ولم يفلح أحدهم أبدا في إخراجهامنه طول اثني عشر عاما حتى جاء هذا الطبيب الجديد وتحدث معها قليلا بابتسامة تعرفها جيدا وإذا بها تتكلم لأول مرة ثم يعلو صوتها أيضا:
هل جربت ؟؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تستيقظ وقد تضاءلت رغبتك في الحياة وأشد منها تضاؤلا رغبتك في الكلام ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تفتح عينيك على الدنيا فلا تجد من الألوان إلا الأصفر الرمادي يغزو الدنيا ويتخللها ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تتوالى الصدمات والطعنات عليك فلا تترك مجالا إلا لشعور الريبة بداخلك تجاه أي إنسان ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تطلب المستحيل فلما أعجزك طلبت الأقل فلما أعجزك طلبت أقل القليل فلم تجده؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تصحو عليه وتنام عليه : شوق ممض يسلمك إلى جرح دفين يجهدان روحك ويسلبان دمعك ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تستيقظ بلا أمل وتنام بلا أمان ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تفعل كل ما بوسعك مستنفدا كل قدرة لديك وترفع ناظريك متطلعاوتكون النتيجة أنك مع كل جهدك " ليس جيدا بما يكفي " ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن يكون أكبر مصدر لألمك هو من أمكن أن يصبح أكبر مصدر للسعادة ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تكون حاضرا بقلبك وعقلك وجوارحك بينما الحاضرون بشخوصهم غائبون بعقولهم ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تقض الذكريات مضجعك فلا تغيب عنك لفتة ولا همسة ولامساحة صمت حتى تصبح حيا مع أشباح
الماضي ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تأرق الليالي الطويلة لسنوات وسنوات وحولك تترد الأنفاس الهادئة في الصدور الهاجعة فتزيد غربتك الليلية عن غربتك الدائمة؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تترد الأنفاس في صدرك ومع ذلك لا تشعر أنك تحيا ؟؟
هل جربت ؟؟
أن تجلس بين الناس وتشعر أن هناك غائبا ما وسرعان ما تعرف أن الغائب أنت وأن روحك منفلتة ترفرف فوق رأسك خلف حلم ما؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تنفرط مسبحة أحلامك وتتناقص وتضيع حبة حبة وتضيع بقية أيامك في البحث ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن يترك من تحبهم ندوب الجروح على قلبك تتذكرهم بها وتعلقها على حائط روحك كالصور التذكارية؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تشعر أن العمر خلفك لا أمامك وأنك لم تنتفع بعمرك الماضي ولو امتد عمرك الآتي فلن تنتفع به أيضا ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن لا يبقى لك أحد تحبه إلا وقد سلبه منك الموت وغيبه التراب فصرت تشعر أنك شؤم على من تحب ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن يأتيك الخريف قبل الصيف فتصبح كالشجرة الجرداء مهوشة الجذع ؟؟
هل جربت ؟؟؟
أن تشعر أن لا سبب لك في الحياة ولادور ومع ذلك فأنت مضطر أن تحيا ؟؟
هل جربت ؟؟؟ ؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!
أن لم تكن قد جربت فبالله عليك لا تقف أمامي هكذا بمعطفك الأبيض الأنيق وشفقتك وابتسامتك المعلبة لتحدثني عن الصلابة وقوة الإرادة
وفي النهاية تحدر دمع الطبيب الشاب على خديه وانصرف مستحييا مهزوما