لامني بعض أصدقائي علي مقالتي الأخيرة المنشورة بعنوان ( اللقيط التوافقي ) واعتبر البعض أنني أشن هجوما جاحدا علي الجيل السابق لجيلنا الثائر ...
وأحب بداية توضيح أمر هام ..
إن مقالتي السابقة لا يعقل ولا يمكن أن تعمم علي جميع من هم ينتمون لهذا الجيل الذي بدأت قياداته تترنح من أثقال الخطايا التاريخية التي حَمَّلُوا أنفسهم بها لما يزيد علي نصف قرن من الزمن ، وأحب أن ألفت انتباه القارئ الكريم إلي أن الثورة المجيدة قامت علي فكر شرفاء كثر من هذا الجيل ونجحت في إسقاط الطاغية بتأييد محمود من الأخيار ممن ينتمون لهذا الجيل ،،،،،،،،،،، ولكن هناك ما لا يجب أن يغفله أحدنا ...
نحن نعيش حالة من صراع فكري محسوم النتائج بإذن الله بنصر مظفر لجيلنا الثائر بعز عزيز أو بذل ذليل ، وبمنتهي البساطة فإن عوامل النجاح التي يحتاجها فكرنا موجودة في الواقع الملموس ومن لا يراها فهو أعمي البصيرة يحتاج رصاصة الرحمة لتريحنا من غباءه الذهني ....
أصحاب العقول اليابسة من بعض المنتمون لهذا الجيل ليس لديهم أدني استيعاب لحركة التاريخ التي باتت سرعتها أضعاف حجم الإرهاب الفكري الذي عاشته مصر علي أيديهم طوال العقود الماضية ، علي سبيل المثال لا الحصر فإن أحدنا حين يتحدث عن جريمة الفشل المتعمد في إدارة جنرالات المجلس العسكري وحكوماته المتعاقبة علي مصر ما بعد إسقاط الطاغية حسني مبارك ،،،،، وملحوظة هامة إن هذه الحكومات لم تحمل وما زالت حتي الأن لا تحمل من المدنية إلا الزى فقط ..!! ــ يتضح هذا الأمر جليا في الخطاب الأخير للسيد رئيس الحكومة( صاحب الصلاحيات لا مؤاخذه الرئاسيه ) ، هنا حين يطالب الثوار بإسقاط حكم العسكر تجد عزيزي القارئ اتهاما جاهلا بإسقاط الجيش ومن ثم إسقاط مصر...!!
ما معني هذا ..؟
معني هذا وبمنتهي الصراحة أن تلك العقول منتهية الصلاحية وتعيش في حالة من الصراع البائس جراء السرطنة الفكرية المزمنه ، إذ ليس من جديد في تلك العقول الخربة وهي هي نفس الأفكار منذ عام 1954 لم يطرأ عليها أي جديد فضلا عن كونها تنتقل طورا بعد طور علي نفس الوتيره ..! ، فبرغم عدم إثبات برهان مادي علي وجود مؤامرة لإسقاط الدولة نجد الحديث منصب علي هذا الاتجاه وبرغم أن مفتاح السر في هذا الصراع هو في تلك المقولة التي كنت أحذر مع غيري من الشرفاء من علوها قبل شهور قليلة وقد ظهرت عالية خفاقة في سماء المجد الثوري الأن ، فالنداء الأن ( يسقط حكم العسكر ) ومفتاح السرالذي لا يفهمه معشر السفهاء يكمن في كلمة ( حُكْم ) والتي لم تحاول تلك النكرات أن تبحث عن فكرة هذا السر الذي يُعجز قيادات هذا الجيل ويجعلها الأن أشبه بجرذان تخشي قطا يحاصرها علي أبواب جحورها ...!! فقد استيقظوا من سباتهم علي ثورة جيل يفهم جيدا ما يتسترون خلفه منذ عقود وأصبحوا أمام أمر واقع يرفض إقحام شرف محراب العسكرية المصرية في وحل العهر السياسي ، أيضا علي سبيل المثال حين ننادي برئيس مدني فإننا ننادي بمدنية الفكر وهذا لن يتوافر في القالب العسكري أبدا ، وأحب أن أستشهد هنا بمقولة المغفور له المشير محمد عبد الغني الجمسي وزير الحربية الأسبق حين قال (إن الرجل العسكري لا يصلح أبدا للعمل السياسي وإن أهم أسباب هزيمتنا في نكسة 1967هو انشغال واشتغال العسكريين بالألاعيب السياسيه) انتهي كلام المشير الإنسان ..! ، لهذا فإن فكرة ( رئيس توافقي ) في قالب مدني مرفوض شكلا وموضوعا مهما يكن الثمن ومهما تكن تطورات الصراع في هذا الاتجاه ، ببساطة فإن ستون عاما من تسلط الفكر العسكري علي ملعب هو أشد الناس جهلا به جعله يستعين بمستشارين أجهل منه لم تخرج بنتيجة إلا انحراف الأمة المصرية عن مسارها الملهم لمنظومة الحضارة الانسانية ، وللأسف الشديد إن مسألة اختزال نبوغ الأمة المصرية بكل تاريخها ومجدها العبقري في أقزام الشخصيات لم يزل أمرا مباحا في عرف هؤلاء السفهاء ..!
حين تستمع لأحد الثوار يحدثك عن طموح ثوري بمراجعة اتفاقية ( سايكس بيكو ) في حين تستمع لرأس الدولة وهو يحرض الشعب علي الشعب فهنا وبنظرة تأمل بسيطة مع افتراض حسن النية حتي لا يتهمنا معتوه بأننا أهل الشر وأننا نريد إيقاع الجيش والشعب في هوة لا نهاية لها ، هنا تعرف أن تلك القيادة المترهلة في شيخوختها أصبحت عاجزة عن التكيف مع مجريات طبيعة الحياة أو التعايش مع أفكار أصبحت حقائق ملموسة قامت علي دماء طاهرة دفعت بها قلوب مؤمنة وتربت علي أيادٍ ظلت مرفوعة للسماء تستجدي غوث ربها خلاصا من هذا الإذلال ...
إنني حقيقة أعيش صداما مستمرا مع أفكار هذا الجيل إلا من رحم ربي من أساتذتي وأصحاب الفضل عليَّ كمثل ملايين الشباب من الجيل الذي يصنع معجزة رغم كل الصراعات التي تسعي لتدمير طموحه الثائر والذي باتت حقائقه جلية وإن تعامي عنها العميان ...
وكلمة حق أشهد الله وحده أنها أشد مرارة في حلقي إن هذا الجيل قد خذلنا وخذل مصر علي صفحات التاريخ وليس مطلوبا منا أن نعطي صكوك الغفران وسيوف القهر والذل تنحر أعناقنا ، وأشهد الله أن جُلُّ خوفي أن تأتي لحظة يصبح هذا الجيل وصمة علي جبين تاريخ الأمة المصرية
نقطة أخيرة أحب أن أذكرها
إن الفرق واسع جدا والمسافة شاسعة جدا بين الذي انحاز للثورة لكي ينتقم من أركان نظرية بيزنس التوريث وبين الذي ينحاز لفكر الثورة
ببساطة لم يحدث في تاريخ العالم أن مجلس عسكري آمن بثورة تنادي بحكم مدني تنهي علاقته بالتسلط ، ورغم هذا فلم يزل هناك فرصة ربما هي أخيرة لأن يعترف هذا الجيل بخطاياه التي يدفع جيلنا أثمانها الأن من دمائنا وزهرة شبابنا تحت وابل من التنكيل والإرهاب الفكري العقيم .