المقال منشور بجريدة الأجيال ــ الأحد 23/10/2011
الإستبداد أشكال وألوان .. منه ما هو مستورد ومنه ما هو صناعة محلية وأيضا يوجد استبداد صناعة ( بير السلم ) ..!!
ويختلف الاستبداد بكل اشكاله وألوانه حسب طبيعة المستبد وهذا الحال ينطبق علي كل المجتمعات التي تعاني حكم إدارة مستبده ... ، وحتي لا نختلف علي المسألة وهل المستبد مولود بهذه الصفة فهي طبع موروث أم أن البيئة اللعينة التي تربي فيها كانت سببا لأن تطفح أمراضه ورعونته علينا أو كلا النتيجتين معا ، فحتى لا نتعارض علي تلك الإشكالية ولأنني متأكد أن بعضنا يمارس بعضا من اشكال الإستبداد حتي مع أبنائه ولو من باب الحرص عليهم كما ندعي دائما اننا نفهم ما لا يفهمون ونعرف في الحياة ما يجهلون ولدينا من التجارب ما لا طاقة لهم به وأنهم فشلة وعالة علي الأمة وما إلي ذلك من مشتقات مصطلح الضربة الجوية الأولي ثم نفاجئ بحقائق راسخة آمن بها من آمن وكفر بها من كفر ، وإن اختلفت درجاته وتوجهاته فإن الاستبداد ينمو ويترعرع في بيئة جاهزة ومناسبة لنمو هذه الجرثومة الخبيثه لأن المستبد شخص مريض غبي لا يملك أدني مؤهلات المواجهة الإيجابية وليس لديه أدني فكر لحل أية معادلة حتي لو كانت تافهة لذا فهو دائما شخص منبوذ من سائر المجتمع بكل أطيافه ، حتي رعاع الناس في كل المجتمعات تكره المستبد لذا فهو يحتاج دائما لمن يملئ عنده فراغ الإستبداد فتجده يستقطب عينة مشؤومة من البشر علي شاكلته فيجلس عن يمينه قواد وعن يساره لص ومن خلفه فاسد وكلها أصناف لا طاقة لها للعيش في بيئة محترمة مستقرة فتبدأ من هنا رحي الحرب بين رئيس جِلْفٌ حاشيته قواد ولص وفسدة وبين كل من يعترض علي سياسة الأوغاد ...!!
شاء القدر منذ سنوات أن أعمل تحت إدارة نوع شيطاني من أنواع المستبدين ، فرئيسي المباشر كان ذو وجه ملائكي وخطابه عذب حد الخداع ، لم يدم لقائي الأول به سوي دقائق قليلة عبرت خلالها عن حميمية السعادة بالعمل مع شخصه ولكني لم ارتح له وهو قد أيقن إحساسي هذا وأيقن أنني من تلك الشخصيات التي تؤمن بالحب من أول نظرة ..!!! فأخذت الأعين تتبادل حوارا طويلا خلال تلك الدقائق خصوصا وقد كان ينقصه الكثيرمن المعلومات عن طبيعة الفنيات المهنية لعملي فأكدت له أنني مستعد لأن أعطيه كل ما يلزمه لأن يكون مديرا جيدا لهذا المكان ، لم أكن وقتها معروفا في مجتمع هندسة الإعلام لا في مصر ولا خارجها وكنت وقتها أصغر سنا من اصغر إنسان موجود في بيئة العمل هذه ، تفاجأ رئيسي رغم صغر سني بأنني أحد العقول التي تحرك هذا المكان فبدء في محاولات استقطابي وبدأت بدوري بارسال ما يوحي بأنني لا أجيد صناعة تابع الرئيس ولست شغوفا بها بالمره خصوصا حين يكون الرئيس غارقا في الفساد حتي أنفه ، والأَوْلَيَ أن يبحث عن شخص أفضل مني حتي أنني ألمحت إليه مرة بأن في هذا المكان عدد من الفاسدين يحترفون تلك الصنعة جيدا ...! ، لم تلقي صراحتي ورفضي لسياسة رئيسي أدني إعجابه ولم يكن الوقت بعدها بيننا لطيفا وبدأت الأيام تمرعلي كلينا وكأنها سنين عجاف حتي أصبح كل منا يري الأخر عبئا عليه ، هذا الرجل كان يتعامل معي ومع زملائي وكأننا قطع علي طاولة الشطرنج يستطيع بحركة يد بسيطة قلب حياة أي منا رأسا علي عقب ، لم يفهم رئيسي رغم وجود ( مستر طابيه ) إلي جواره دائما أنه سيأتي حين من الوقت يستطيع أصغر عسكري علي طاولة الشطرنج الإطاحة بالملك وأن جيشا من النمل سهل عليه أن يأكل فيلا رهطا طعنه الزمان طعن الأوغاد ، وهكذا حال كل مستبد لعين ، ولو حاصره الحق ساعة تجده عزيزي القارئ مستعد أن يُصَعِّرُ خده لخصومه بلا كرامه ..
وحين يصل المستبد إلي تلك المرحلة المتأخرة من المرض تسيطر عليه الأنا وتتملكه فكرة الإله وتستعبده أهواءه فتتلاشي الحقائق من حوله فيصبح محصورا بين أمراضه من جهة وبين الراغبين بقتله من الجهة الأخرى حتي يصير كقطعة من جماد ليس لها إلا مصير واحد في نهاية اللعبة تماما كمثل الملك علي طاولة الشطرنج ..!!
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( إن الله لَيُمْلِيِ للظَّالِمِ حَتَي إِذَاَ أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتَهْ )
صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم
محمود صبري