أبو "حسنية" قرر ميروحلهاش تاني لحد ما التجارب دي تخلص، عشان مكنش مستحمل يشوف بنته بالوضع ده، ودي غلطة كبيرة، غلطة كبيرة اوي، عشان لو كان راح أو بعت حد يشأر عليها كان هيعرف إنها من سيء لأسوأ ومش ممكن تكون فترة عيا وبعديها تعافي..
"حسنية" لما كانت لسه مدركة، لسه قادرة تحافظ على عقلها لاحظت إن الوجبات بتتغير شوية شوية، طعم اللحمة ولونها بيتغيروا، كل مدى اللحمة بتبقى حمرة، نية أكتر. كل مرة كانت بتضطر تاكل عشان كانت بتبقى جعانة جدًا بس كانت حاسة بقرف، بعدين مبقاش يفرق معاها وبعديها بقت حابه الطعم الني للحمة، مبقتش عايزه غيرها، عايزاها بدمها..
أما الأنوار فكانت مزعجة جدًا بالنسبالها وده ف أول كام ليلة لإنها كانت بتبقى نعسانة جدًا ومش قادرة تغمض عنيها، ليلة ف ليلة مبقتش حاسه إنها عايزه تنام وف النهاية فقدت الرغبة تمامًا ف الراحة والنوم، مبقتش حاسة إن في حاجة ناقصاها، جسمها مش محتاج للراحة، ولا بقت تصرخ ولا تستنجد ولا فارق معاها قيودها تتفك من عدمه، كل اللي بقى يهمها وبتستناه حتة اللحمة النية اللي بدمها..
بالصدفة ف يوم عدت من ممر كان فيه مراية، بصت فيها، مكنتش هي، مكنتش "حسنية"! أغلب شعرها كان وقع، إلا كام شعراية ف راسها من ورا، سنانها بقت مدببة وضخمة وعنيها بقت حمرة والبؤبؤ بقى ضخم وإسود فحم، بدأت تتحول لل"وحش"!
لما غيابها طول ابوها جه المبنى، فضل يدبدب على أبوابه، مرضوش يدخلوه، تجاهلوه تمامًا لحد ما زعق وهدد إنه هيفضحهم، هيوصل لصحفيين مصريين ويقول على تجاربهم القذرة وكدبهم وخطفهم لبنته. ساعتها فتحوله، قعدوه ف مكان هادي وواحد منصبه كبير من الجماعة إياهم قعد معاه وقال له إنه لازم يسيبهم يكملوا تجربتهم على "حُسنية" عشان كده كده مكنتش هتخف إلا عن طريقهم، لو سابوها ف وقتها حالتها هتتدهور وهتموت، الداء معاهم وبرضه الدواء فبالعقل كده المفروض كان يسيب "حسنية" كام يوم بس كمان وهتتعالج وتبقى زي الفل وترجع لحضنهم تاني. أبو "حسنية" معدش عليه صبح تاني، بعد ما رجع بيته ونام مصحيش، الصبح جسمه كله كان مزرق ومنفوخ ومراته مقالتش غير إنه قضاء وقدر، مذكرتش التفاصيل الحقيقية لموته، لاغتياله. وبعدها بفترة قليلة مبقاش في "حسنية" ولا ذرة ولا لمحة منها، بقى في ال"وحش" ومش بس "حسنية"، انضم ليها كمان عدد من المتطوعين معندهمش فكرة بحقيقة التجارب ولا عرفوا باللي حصل ل"حسنية"، والعصابة بعد فترة جالها سرع، مكتفوش بالمتطوعين وشافوا إنهم محتاجين لعدد أكبر بكتير فبقوا يخطفوا العيال من الطرق، أي عيل ماشي لوحده بقى معرض للخطر، وكلهم اتعرضوا لنفس التجارب البشعة، كمية عيال اختفوا مرجعوش يا "أدهم"، كمية قلوب اتحرقت على عيالها، كلنا كنا ف حالة حداد مستمرة.
=ثواني كده يابا، إنت بتتكلم ف أعداد قد إيه، كام واحد اتعمل فيه تجارب؟
-كتير، كتير أوي يا بني.
=يعني، اللي ساكن الجبل مش وحش واحد؟
-لأ مش واحد بس، دول الله أعلم بعددهم، وكانوا في الأصل بني آدمين، من لحم ودم! وإن كان أكترهم وحشية هي التجربة رقم واحد "حسنية".
=طب وأنت واللي زيك عرفتوا التفاصيل دي كلها منين، إذا كانت "حسنية" ملحقتش تحكي لأبوها والباقي مرجعوش لأهاليهم.
-البجاحة إن العُلما نفسهم نشروا أبحاثهم وتجاربهم من غير ما يكشفوا للعالم عن مكان التجارب، محدش يعرف إنها اتعملت هنا. مفيش غيرنا، اللي من جيلي، بدو "أبو زنيمة" اللي عاصروا حقبة الرعب دي. المعمل والمبنى اتهدوا واتخفس بيهم الأرض بعد حرب أكتوبر وفشل التجارب والوحوش إنطلقوا ف أقرب جبل، طلقوهم علينا!
=اه... طيب ثواني بقى.
مسكت الموبايل وكلمت الشاب إياه، اللي معايا رقمه من المجموعة. رد عليا بعد فترة، صوته كان عادي، قلت ف نفسي الحمد لله، لسه متأذوش، مطلعش عليهم أي وحش، وبدل ما كنت مرعوب بقيت متغاظ، متغاظ بس وعايز أروح أطبق ف زمارة رقابيهم.
سألته عن مكانهم، كدب عليا وقال إنهم راحوا السكن اللي رشحته ليهم، وأنا رديت عليه بزعيق ووصلة شتايم، فهمته إني عرفت من صاحب السكن والسواق إنهم مراحوش عشان كلنا في المنطقة معارف وقريبين جدًا من بعض، بنبلغ بعض بكل حاجة وإني كمان متأكد إنهم قدروا يكسروا أو يفتحوا الأبواب بطريقة ما ويقعدوا ف الأوض وف الآخر قلتله بنفس اللهجة وباستكمال الشتايم إنهم يتلموا ف أوضة واحدة كلهم ويفضلوا صاحيين ومحدش منهم يروح لأي مكان لوحده عبال ما أوصل لهم، لكن إبن اللذينة قفل ف وشي السكة. دبدبت على الدريكسيون وكملت زعيق ولعن مع نفسي. أغبيا! شوية عيال أغبيا! معندهمش فكرة عن الخطر اللي هم فيه وإنهم كان بيلعبوا ف عداد عمرهم.
كان قدامي خمس دقايق بس وأوصل بالسرعة الجنونية اللي كنت بسوق بيها. موبايلي وقتها رن. رديت، كان "ملك" الشاب اللي مع المجموعة واللي لسه قافل ف وشي من شوية والمرة دي كان..بيستنجد!
صوته وهو بيصرخ كان حاد ومرعب لدرجة إني بعدت الموبايل شوية عن ودني، حاولت أهديه عشان أفهم وأخيرًا وطى صوته وبطء كلامه شوية. قال:
-في حاجات، حيوانات، لأ مش حيوانات، معرفش دول إيه، شفناهم لما خرجنا ندور على "هنادي" عشان خرجت من أوضة البنات وغابت وهم بلغونا. المهم إننا بعد ما مشينا مسافة قليلة من السكن لقينا كمية دم مهولة على الأرض، دم ف بقع مختلفة وبعدين شفناهم، عدد كبير منهم، كائنات بأحجام وأشكال مختلفة كلها غريبة والمشترك ما بينهم هي الوحشية ومنظرهم البشع، اللي فيهم عنده سنان مدببة واللي معندوش سنان أصلًا، اللي عملاق واللي قصير، اللي صوابعه طويلة وعنده مخالب واللي من غير إيدين. حاولنا نهرب أنا والاتنين التانيين لكن أنا بس اللي نجحت أرجع للسكن، واحد اتمسك من كائن منهم و..ورفعه وف ثانية شقه كإنه بيقطع ورقة بالظبط ورماه والتاني، التاني مات بطريقة عجيبة، كان جنبي، جنبي بالظبط، مش متأخر عني وفجأة وقف، سرح، كإنه حصل له shutdown، لف وبقى ف مواجهة الكائنات اللي بتقرب، رفع إيده ناحية وشه ولفها وقرب كفه والمعصم بتاعه من بوقه وعض نفسه ف منطقة الوريد، وفضل بعدها يعض نفسه كتير لحد ما بدأ ينزف وأنا فضلت ازعقله، أقول له يبطل اللي بيعمله، لكن مفيش فايده، مكنش سامعني، مكنش ف وعيه، زي ما يكون مكنش حاضر تمامًا، ف غيبوبة ومش متحكم ف نفسه، أضطريت أجري، بس سمعته وهو بيقع وبيصرخ، مات! والسلاح كانت سنانه، هو ضد نفسه..
لما وصلت السكن فضلت أخبط زي المجنون على أوضة البنات، اللي دلوقتي بقوا بنتين، أنا وهم بس اللي فاضلين، إحنا مع بعض ف أوضتهم، أرجوك، ارجوك أنقذنا..
هعمل إيه أنا وأبويا وبنادقنا مع جيش من الوحوش اللي فقدت تمامًا آدميتها ومش فاكرين إنهم كانوا ف يوم من البشر، ده اللي جه ف بالي، بس مكنش ينفع نتراجع، لازم كنا نحاول ننقذ المتبقى منهم حتى لو هنجازف بحياتنا.
وصلنا. كل أبواب الأوض كانت مقفولة، كنا حريصين إن خطواتنا وحركاتنا تبقى هادية جدًا، على أمل إن المخلوقات متحسش بوجودنا. المشكلة، إزاي كنا هنعرف أنهي أوضة اللي فيها التلاتة، وإزاي هنفتح الأبواب؟
مكنش في غير إني أكلم "ملك" وأحاول أوطي صوتي على قد ما أقدر. إيدي كانت بتترعش وأنا بطلع الموبايل من جيبي، لسه كنت هطلبه بس الموبايل رن!
نسيت أعمله صامت! واللي بيتكلم كان "ملك". رديت بسرعة، اتمنيت ميكونش الصوت لحق سمع والمخلوقات محستش. قال لي بصوت بيترعش على الأوضة اللي كانوا فيها وقبل ما أقفل معاه سمعت صوت زمجرة، جايه من ناحية الجبل، أمتار قليلة مننا!
حاولت أخلي أبويا يرجع ويستناني في العربية لكن مرضيش، رفع بندقيته واتحرك معايا بسرعة للأوضة.
"ملك" فتحلنا، هو والبنتين كانوا لازقين في الباب مستنينا، مع كل خطوة لينا كنت سامع صوت تحركات، الأرض كانت بتتهز. المخلوقات عرفت وجايين ف اتجاهنا.
كنا ف سباق معاهم ومع الزمن، اتمنيت في اللحظة دي الأرض تتحرك من تحت رجلي زي البساط السحري أو تتشق وتبلعنا قبل ما نقع ف إيديهم.
كنت شايف العربية على بعد خطوات، شايفها واضحة قدامي، قريبة، قريبة أوي، شوية وكنت همد إيدي وأوصل لبابها، بس ملحقتش..
كلنا اتشلينا ف مكاننا، سمعت صوت أنفاس عالية، الوحوش هنا..
واقفة بتراقبنا من ضهرنا، بتستمتع باللحظات القليلة اللي بتسبق الهجوم، اللحظات اللي الفريسة فيها بتعيش أرعب لحظات ف حياتها وبتبقى مدركة إن أمرها منتهي وإن كل الوقت اللي ضيعته في الهروب ما هو إلا لف ف دواير أو جري ف متاهة الصياد حافظ مساراتها وعارف أولها من آخرها.
متهيألي هي دي أمتع لحظة للصياد، أحلى حتى من مرحلة الصيد نفسها.
خلاص، كده كده مبقاش في العمر بقية، أدركت إني هموت بين ثانية والتانية، وساعتها الفضول طغى على الخوف، عايز أبص، اشوف نتايج التجارب، المادة البشرية اللي اتحط ف عروقها السموم بقت عاملة إزاي.
لفيت عشان أشوف، نسيت إن في حواليا ناس غيري، من ضمنهم أبويا، ودني بطلت تسمع صراخهم وعياطهم والكلام اللي ملوش معنى اللي كانوا بيقولوه.
إبداع! إبداع في العك، ف إفساد الفطرة البشرية السليمة، العُلما المجانين، اللي فاكرين نفسهم فوق الطبيعة وقوانينها، ويقدروا يتحدوا خلقة ربنا ويخلقوا أو يطوروا بنفسهم الكائنات الحية ويحولوها لكائنات تانية خارقة، نجحوا ف إنهم يثبتوا قد إيه هم فاشلين، هم وكل البشر، وده لما بيحاولوا يتحدوا خلق ربنا ونظامه عالأرض. اللي قدامي كان أبشع ما شافت عيني، جلد رمادي على هيكل ملوش ملامح، عضام أكتافهم بارزة، في دواير زي تقرحات في الجسمين الضخمين اللي كنت برفع راسي عشان أشوفهم، ضهورهم كانت مأتبة، منحنية كإنهم موطيين، بوقهم مفتوح على آخره وسنانهم المدببة واضحة، في حمار بدل بياض العين، مغطي العيون كلها وف النص بؤبؤ إسود حالك. ودني رجعت اشتغلت تاني مع حواسي وسمعت صريخ ال3 أغراب اللي كان جايب آخر الدنيا، أما أبويا فكان ساكت تمامًا، بيبصلهم بتحدي، صدره بيعلى وبيهبط وبيستعد عشان يضرب نار. وفجأة..
كل الأصوات سكتت، لأ المرة دي مش أنا اللي فصلت، هم فعلًا سكتوا. بقيت أحرك عيوني ما بينهم واتحرك قدام كل واحد فيهم، كانوا زي التماثيل، مش بس ساكتين، جسمهم ثابت مكانه، عينيهم بس اللي بتطرف.
إيه اللي بيحصل؟
جه ف بالي خاطر، فكرة بشعة.
افتكرت لما "ملك" حكى عن اللي حصل لأصحابه، الصاحب اللي مات في الآخر..
الصاحب ده عض نفسه في الوريد لحد ما مات وده ملوش غير تفسير واحد.
التجارب مش بس اتسببت في تحويل البني آدمين لوحوش، دول خلت عندهم ملكات، التخاطر عن بعد والتحكم ف العقول!
أكيد هم اللي ادوا أوامر للشاب إنه يعمل كده وهو مكنش عنده أدنى سيطرة على نفسه وساعتها نفس المشهد كان بيتكرر، كل اللي حواليا بقوا عرايس من غير روح، مستنيين أوامر الوحوش.
واحدة منهم أخيرًا بدأت تتحرك، فتحت زراير القميص اللي كانت لابساه، خلعته وبدأ تلفه جامد وبعدين تربطه من الناحيتين على رقبتها. وشها فضل يزرق، كل مدى نفسها بيضيق. صرخت فيها، قربت منا وحاولت أفك القميص من رقبتها، زقتني بقوة ووقعتني عالأرض. ملحقتش أقوم وأروحلها تاني، اتخنقت وماتت!
عيون الباقي كانت بتدمع من غير ما يقدروا يتحركوا أو يخرجوا صوت وجه الدور عليا..
حسيت بأطرافي بتتجمد ومعاها جسمي كله، كنت محبوس جوه جسمي، مش قادر أحركه، مش قادر أخرج صوتي من حنجرتي، عاجز تمامًا.
أعداد تانية من الكائنات ظهرت وراهم، أشكال مختلفة عنهم، كلها أبشع من بعض وف النهاية ظهر مخلوق تاني، أضخم منهم كلهم، ملامحه حادة أكتر، عينه كانت حمرة لدرجة إني حسيت إنها بتنور.
خلاص، كل حاجة خلصت، كل حاجة..
بس في حاجة غريبة حصلت، الكائن ده لما عيني وقعت على أبويا حسيته اتهز، وقف مكانه ورفع إيده كإنه بيدي إشارة للمخلوقات التانية وفجأة جسمنا فك وقدرنا نتحرك.
جرينا على العربية إلا أبويا. وقف متسمر لحظات، عينه كانت مليانة دموع وفضل باصص للمخلوق الضخم. رجعت شديته وجريت بيه على العربية وانطلقت بأقصى سرعة.
سألته وأنا سايق:
=إيه اللي حصل ده يابا؟
-الوحش، أكبر وحش، أمر الباقي ميهجموش علينا ويسيبونا نمشي، وده عشان الوحش ده هو "حسنية" أمي!
ايوه اللي مقولتوش ليك إن أول تجربة بشرية، أول بشر اتحول لوحش كانت أمي، أمي اللي ضحت بنفسها عشان شوية قرشين نعيش بيهم أنا وأبوها وأمها وأخواتها. كان عندي 5 سنين وقتها، هي أصلا اتجوزت وهي 13 سنة وخلفتني وهي 15. والغريب بقى إني برغم إني كنت صغير أوي، بس فاكرها كويس، فاكر ملامحها وضحكتها.
محدش من اللي موجودين دلوقتي في المنطقة يعرف إن الوحش اللي ساكن الجبل هي أمي، وأنا النهارده كنت رايح أقتل الوحش، كنت متخيل إن أمي مبقتش موجودة، أنا وهي ملناش صلة ببعض، إن أمي ماتت مع التجارب ومش راجعة، لكن اللي حصل ده..حاجة بره المنطق، إنت عارف ده معناه إيه، الوحش، "حسنية" أدركت إني إبنها، ميزتني برغم مرور 60 سنة، يعني لسه، لسه إنسانيتهم ممكن تكون موجودة ف أعماق أعماقهم، مستني اللي يخرجها، إحنا كنا غلطانين يا "أدهم" دول مش وحوش، مفقدوش أدميتهم 100% وممكن يرجعوا، ممكن يرجعوا..
تمت
#حظر_تجوال
#ياسمين_رحمي