واعلم يا صديقي أن لكل طريق وحوشه، المستترة والظاهرة، وإن الظاهر منها لهو الأطيب.. ويكون فضل الأقدار عليك عظيما إن منحتك فرصة اختيار طريقك، فإنها بالأساس تضعك حسبما ترى لك موضعا، فاقطع طريقك اخترته أم لم تختره، واعرف وحوشه، وعاملها.. إن كنت تدري كيف تعاملها.. فإن لك تكن تدري فتعلَّم.. تعلم معاملة وحوش طريقك مهما هاجمتك.. ومهما ناوشتك.. ومهما ترصدت خطوتك، إذ لن تحوز تعلما إلا من ملمات الهجوم والتناوش والتردد.. بل لعلك لن تتعلم إلا بجرح عميق، ولن تحسن الضرب إلا باستقبال الضرب أولا.. حتى يأتيك يوم ترى فيه سنون الوحش لامعة من بعيد، فتعرف هل يتثاءب أم يستعد للهجوم.. لتسعد بنومه فتهادن التأهب حتى حين، أو تستعد لهجومه فتشحذ أسلحتك التي ربما لم تكن قد أغمدتها بعد.
هذه هي لعبة الطريق، وهذه هي شروط المسير، فإن كانت لك مدينة أثيرة يضنيك حلم دخولها، أو منزلا بعيدا تسعي لحيازته، فتجهز وانطلق.. لا يردك لمعان السنون ولا تقعدك بطالة الغمد..
وإلا.. فالتمس من محل خطاك مسكنا، وانسَ متعة الركض الشغوف، وبهاء مسرات الوصول.