ليس الحزن بالأمر البغيض .. إنه يربي القلب.. ويهذب الأحلام.. ويقوَّض شطط الغرور بالدنيا بنوازل الدنيا..
الحزن يترك القلب -بعدما يربيه- أكثر حلما، وأقل تطلعا، وأبسط توقعا.. ويتركه كذلك أكثر صلابة.. كالنار تهذب الحديد فتذيبه حين تعانقه، وتصبه صلبا حين تغادره..
والحزن ليس اليأس وليس الزهد وليس الغضب.. الحزن أن تنكسر في قلبك أمنية .. وتنطفئ في عينك شعلة نور.. ويفارقك حبيب.
الحزن أن ترى نفسك لا حولا ولا قوة .. فتقول، هذا زمان سكوني، وجب استلامي لراية الصمت اللازم مع الدنيا، والحديث الفارق مع نفسي..
الحزن يعرِّفك بنفسك حين ينزع عنها إزار السعادة الذي يصيبك بالغرور .. بل ويورثك في بعض شطحاته الجنون .. الحزن يعيدك إلى نسختك الأصدق، الأهدأ، الأصلح.
والحزن مخلوق مثلك.. يأتى ليشهد أيامه في الدنيا ويغادر .. فإذا أدركت لزوم زيارته لك بين زمان وزمان لم تكرهه.. وإن تقبلت اعتصاره لقلبك لينقيه ويزكيه لم تبغضه.. وإن تقبلته دون سؤال عن موعد رحيله.. قبلته.
وعلى كل ذلك.. فالحزن مؤلم .. لا شيء ينفي عنه صفة الألم.. لكنه بضعة من العمر.. شقيق الفرح، وصديق النشوى والأمنيات.. فعش أيامه كما تعيش أيام أصحابه.. والتمس له العذر في الحضور، فهو مثلك مأمور ومأسور.. ثم لوِّح له بالتحية حين يغادر.. ولسوف يغادر يوما.. بإبدال الأحوال.. أو نسيانك الآلام.. أو اعتيادك العالم الجديد بعد حوادثه الكبار.
الحزن بعض منك.. يحضرك فيذكرك بنعائم الدنيا التي اعتدتها حتى سهوت عن عظمة وجودها.. ويغادرك فيلقي على قلبك كتابا تقرؤه حتى تؤمن برُقيه.
#راقية_جلال_الدويك