سمعت إن هناك أُناسا يعيشون على سطح الحياة، على حافة الأحداث، وبأطراف الآلام القصيَّة.
سمعت إنهم لا يضيقون بشدة، ولا يأملون بعمق، ولا تجرحهم الشوارد كلها.
سمعت إنهم عرفوا الراحة مرات عديدة، بل لقد سمعت والله إن أحدهم عرف السعادة وآخر تهنَّى.
كم أشفق عليهم هؤلاء الغافلين؛ لم يسبروا أغوار الكون، ولم يخبروا ألما حقيقيا يشق قلوبهم بالآهات الصادقة وأفواههم بالزفرات الحارة، لم يندموا، لم يُعذَّبوا، لم يحتاروا في فهم أو اختيار بين عسيرين..
هل عاشوا؟
هل عرفوا الحياة حقا هؤلاء الخفيفون جهلاء المعاني؟
وهل.. هل عشت أنا؟
بأسئلتي العديدة وحيرتي المديدة، بآلامي المٌمضَّة وسعادتي السرابية؟
هل لي على الدنيا فضل عنهم؟
هل أنا لدى الكون إنسان أعظم أو مخلوق أحق بالحياة؟
حسنا.. ها هي حيرة جديدة أضيفها إلى دفتر حيراتي الملغزة، لتستهلك من روحي قطعة جديدة، لامعة كنصل مسنون للتو، مؤلمة كخوف دفين يوشك فرض سطوته، لأقضي فيها يوما أو أعواما، ولا أصل لرد قاطع يريحني ولو باليأس.
وهو نفس اليوم الذي سيحياه هؤلاء الغافلون البررة، لاهين هانئين، يقبلون من النهار أبسط عطاياه، ولا يحفلون بأيِّ من أسئلة تطرحها مخبولةٌ حائرةٌ، تجلس بالساعات للتنظير بشأن العالم وشأنها، دون أن تحنو عليها الأكوان بنظرية واحدة لا تسارع بدحضها الحادثات.
من منا الحي.. ومن المخدوع بالحياة.. لم أعرف يوما!