لستُ من المنبهرين بالماضي، لا أقول "كانت أجمل أيام"
أذكر أحوال عذابه ومتاعبه جيدا.. أذكر أنني كثيرا ما تمنيت مرور أيام منه وانقضاء ليالٍ فيه.. وأذكر كذلك إنجازاته وفرحاته وأيام سعادته ورضاه، حوى ماضيَّ أياما كانت حقا بهيجة، وأحداثا ما زلت حتى اليوم يسعدني مرور طيفها.
لكن.. لا شيء يدعو للندم، لم يكن هناك سعى تخاذلت عن بذله، ولا أمل نكَصْتُ عن اتباعه.. وعلى ذلك فلم أفوِّت خيرا كان يمكنني تحصيله، ولما ألْحق بشَرِّ كان من الممكن اجتنابه.
كل ما في الأمر أنني الآن أنظر لما سلف من أيامي وأحاول أن أتعلم .. أن أقرأ رسائل وصلتني في زمان لم أملك فيه لغتها.. أن أدرك من الناس أفعالا لم أعلم حين صدرت منهم ما وراءها.. أن أضع حدودي الحقيقية، وليست تلك التي رسمها الخوف أو نسجها الغرور.
أنظر لما مضى وأبصرُ رحمات الأحوال مع ضعفي، فأطمئنُّ لهجمات ضعفي القادمة.. ذلك أن الرحمات كانت دوما موفورة وعظيمة التوقيت.. وأنظر للأخطاء التي مرت دون عواقب وخيمة وللإنجازات التي حازت كل تقدير، فأرى لطافة الأقدار.. وأتذكر سقطاتي الكبرى وانهياراتي المذهلة فأعجب كيف مرت، أو بالتعبير الصادق كيف مررت أنا عبرها حتى جلستُ اليوم أذكرها وأكتب حولها نصوص التأمل والمعاني.
كل سعادات الماضي مضت وتركت لمحة من طعمها الحلو، وكل عذابات الماضي انقضت وتركت شفرة ألمها الخفيّة.. لا كنت في الأولى صاحبة فضل ولا في الأخيرة صاحبة معجزة.. إنما كنت في الحالتين صاحبة ذهول ثم قبول ثم احتمال.. نعم.. الفرح أيضا يحتاج قوة احتمال.. أعرف قلوبا أخفقت في التعامل مع السعادة المفرطة رغم لحظاتها القصار.
وهكذا تجدني لا أنبهر بالماضي.. بل لعلِّني سعيدة بدخوله أرداج الأرشفة وفقده لوسائل التأثير... فما عاهدتُ يوما سعادة خالصة كما يشيع الحالمون.. ولا هزمتني الابتلاءات يوما هزيمة منكرة كما ينوح الندابون..
كنت دوما أحرز درجة النجاح في كل مواجهة..
النجاح الذي يبقيك حيا للمواجهة التالية..
لم أكن بطلة ولم أكن ضحية..
لذا.. لا أساطير مذهلة لديَّ أقصُّها بعينين لامعتين..
ولا مأساة اكتملت أركانها أذكرها بعينين دامعتين..
كان في ثنايا الهزيمة دوما بريقُ التعافي..
وفي طيات الحوادث الباهرة دوما لمحة انكسار.
#بنت_جلال
#راقية_جلال_الدويك