هذه ليلة الوداع الكبير..
أودع عذابا استسلمت له راضية به خوفا من عواقب مناشدة النجاة، فكانت النجاة قدري المحتوم.. نجوت وأنا لا أدري كيف نجوت ولا لماذا نجوت، لكنني أعلم أنني كنت أستحق النجاة..
أودع شذرات الدفء اللطيفة من نهايات أكتوبر، أكتوبر.. أحب شهور العام إلى قلبي رغم كوني ملكة سبتمبر المجيدة، لكن لأكتوبر في قلبي حب مشهود، ليس أوله أغنيات النصر ولا آخره اعتدال النسيم..
أودع النهار الصيفي الطويل الجميل، لأستقبل مستسلمة -إذ لا حيلة في الرفض- نهار الشتاء القصير وليله الطويل وأغنياته الحزينة الجميلة..
وأودع خوفي، أو قل للدقة أودع خوف هذا العام من عمري.. عام انتهي قبل أيام وبدأت غيره، ودعت خوفه بعدما فضضت سر اشتباك خوفه مع قلبي فأبطلت بينهما الاشتباك، ربما أستقبل الخوف الجديد مع العام القادم.. ولعل نصابي من سنوات الخوف يكون قد أوشك النقاد.
هذه ليلة الوداع الكبير..
لا أأسف على اختيار خاطئ ظننته صائبا، فما كانت بيدي عصا سحرية لأكشف الغيوب..
ولا أهاب تقلد الشتاء مقعد الحكم لشهور، تقصر تقصر تلك الشهور..
ولا أكره الليل الطويل رغم برده المؤلم.. ففي ليال كهذه أصوغ أعذب نصوصي وأصالح جراح روحي وأوثق روابطي مع حبيبي.
أنا أودع ما انتهى راضية بأن انتهي.. وأستقبل الآتي آملة حلاوة الآتي.. وإن آلمتني كل عام وداعاتي الكبيرة، وإن خيبت ظنوني الحوادث الآتيات.. لا ضير.. كل تكرار يحتمل نتائج مغايرة دوما، خاصة مع قلب كقلبي..
قديم العهد بالآمال..
سليل نسل المتقين السعداء.