سأتعلم الخَبز لأتحدث إلى أرغفتي الساخنة، ستكون حرارتها تبريرا مقبولا لدمعات عيوني واحمرار وجهي جرَّاء التعمق في سرد الحكايات، وستكتم الأرغفة أسراري.. أعلم ذلك علم اليقين، فتاريخي مع خُبز أمي حنونٌ حنون.
كانت أمي تحب الخَبز رغم أنها تعلمته مضطرة "على كبر" إثر انتقالنا من المدينة إلى الريف.. فأجادته في أيام معدودات.. ثم صارت تتحين الفرص لعمله.
علمتها إياه جارتنا الطيبة.. ثم صارت تناديها فجر كل يوم تنوي فيه أن تخبز لأطفالها الخبز والصواني على اختلاف أصنافها. كنت أشاهد ماما أمام فرن جيراننا الأقدمين وهي ابنة المدينة الحلوة البيضاء صاحبة الكعب العالي و"الجيبات الميدي" قبل سنوات.. فأجد في وجهها جمالا دون مساحيق تجميل.. وكانت ابتسامتها أمام نار الفرن مضيئة ساحرة..
عرفت اليوم أنها كانت تحب الخَبز لأنها تحكي للأرغفة ما أثقلنا عليها به من تدلل زائد وقهر لم تكن هي المقصودة به قدر ما كان فعل الزمان بنا جميعا.
كانت أمي تغادر مقعدها من الخبز غير ما جاءت إليه.. لم أعرف السر إلا اليوم.. حين وجدت حنينا لممارسة فعل تحويل الدقيق والماء الباردين بالنار إلى صفحات بيضاء أمنحها أسراري الأكثر رعبا.. فتمنحني وجها حلوا وضحكة ساحرة. ثم يشبع الجائعون.. ويهدأ قلبي.
أنا من غدٍ سأتعلم كيف الخَبز.. وسأبني فُرنا بلديا صغيرا فوق "رووف" شقتي، وسأصعد إليه كلما ضاقت بي الدنيا، وسأنزل منه ليس معي سوى صفحات ساخنة بيضاء.. تُسعد الجميع.. قلبي والجائعين.
#بنت_جلال