رغم انشغالي الأصيل بشأن المرأة وإنجازاتها وحقوقها، وتحيزي الدائم لها، إلا أنني نادرا ما أذكر تجربة حية بشكل مفصل؛ لقناعتي بأن لكل امرأة قصتها المميزة مهما بدت بسيطة، مما يجعل من اللازم ذكر آلاف القصص بعدد من عرفت..
لكن هناك تجربة ذات بهاء متميز أثرت فيَّ مؤخرا، ولم أستطع مقاومة الحكي عنها .. تكريما لها، ودفعا بنموذج استثنائي يستحق الإعجاب والثناء.. بل والحب.
د. رانيا الباهي طبيبة مصرية من سوهاج.. عرفتها كقارئة متعمقة للأدب ومتابعة جيدة لكتاباتي.. صرنا أصدقاء عبر الفيسبوك، ولم أتوقع ما هو أكثر من ذلك، لكنني فوجئت بانضمامي إلى أحد الجروبات الثقافية الجميلة، التي كان أعضاؤها مهتمين بمنتجي الأدبي والترجمي.. وجدتها فردا نشطا في المجموعة .. تقترح الكتب وتنظم لقاءات دورية ثقافية داخل أروقة نقابة أطباء سوهاج.. وهو أمر لو تعلمون عظيم.. فهي كمن يحفر بئرا لمياه عذبة في أرض طيبة بحاجة بالغة لهذا الماء العذب..
لكن الأمر لم يكن سهلا أبدا؛ فما بين ضيق الوقت وقصور الإمكانيات، وطبيعة البيئة المحلية والعادات والتقاليد السائدة، كان مشروع رانيا صعبا وثقيلا .. لكن المبهر في الأمر أنها سعت لتحقيقه خطوة وراء خطوة.. خصوصا حين وجدت في مجتمعها الصغير تشجيعا حقيقيا من كوكبة من المهتمين بالثقافة والقراءة الأدبية، رغم انتمائهم للعلم علميا ومهنيا.
بالتدريج استطاعت رانيا إرساء رواسخ التجربة، فصار هناك لقاء شهري ثابت تتم فيه مناقشة أحد الكتب، أو إنتاج أحد الكتاب، وذلك بعد الاتفاق من خلال المجموعة على اسم الكاتب أو الكتاب وتاريخ اللقاء وموعده.. ثم تطور الأمر رويدا رويدا بمساعدة ودعم نقابة الأطباء بسوهاج، فصارت اللقاءات تستضيف كُتابا مميزين للاحتفاء بهم ومناقشتهم في أعمالهم مناقشة حية تفاعلية ثرية.. وقد شرُفتُ بأن أكون أحد هؤلاء الضيوف في صيف هذا العام..
في زيارتي لسوهاج لحضور الندوة، اقتربت من د. رانيا كثيرا .. من ناحية الكرم والجود فهي والله لم تدعني لحظة واحدة لأحتاج أي شيء.. اتخذتني أختا وصديقة، وأرتني من سوهاج أجمل وجوهها.. ثم قابلت أحد ولديها بعد بعض الحكي عنه وعن أخيه الأكبر، فوقعت في حب هذا الرجل الصغير الرائع، وأغرمت بعلاقته بأمه.. حيث التفاهم العميق والاحترام المتبادل والحب الغامر..
لكن.. لما حان موعد الندوة، فوجئت بجانب آخر من شخصية رانيا .. هذه الواثقة المتمكنة، الهادئة المنظمة.. كانت تمسك الأوراق والقلم، وتدون محتوى اللقاء، وتطرح الأسئلة من جانب الحضور ومن جانبها.. مرت ساعات خمس لم أشعر بها بسبب رقي إدارة اللقاء وطيب المضمون.. ثم ظلت رانيا معي حتى يوم سفري، تواليني كل أشكال الاهتمام.. فاعتبرتها هدية العام وصديقة النضج والحظ السعيد..
بعيدا عن كل ذلك.. رانيا بالأساس امرأة فائقة الجمال.. وعادة ما تنشغل من هي في جمالها بجمالها.. لكن رانيا لم تفعل .. شغلها العلم والثقافة والخدمة المجتمعية..
شخصية متكاملة، قائدة قوية، ومستمعة منصتة، ومتحدثة لبقة..
أما أهم ما يميزها في رأيي أن كل هذه الخبرات ومساعي الحياة لم تنزع عنها جمال روحها، ولم تأخذ من نقاء قلبها شيئا.
أنا أحب رانيا الباهي، وأفخر بصداقتها، وأتمنى أن تتوسع جهودها في مجال العمل العام والثقافة والطب معا.. فهي طاقة إنسانية استثنائية نادرة.. كلما أعطت كلما زادت قدراتها.
رانيا .. ظللت شهورا لا أعرف أهي رانيا الباهي أم البهيّ ..
حتى قابلتها، فعرفت أن أباها هو الباهي
وأنها هي البهيَّة.
.....
#راقية_جلال_الدويك