ماما الله يرحمها لما كنت اقولها بتعملى ازاى الأكله الفلانيه...كانت تقولى "شويه توم وشويه كمون وشويه طماطم..و تشوحي حلو و تقلبى لحد ما يعقد" و انا طبعا مش فاهمه يعنى ايه "شويه" ..و ايه معنى تشوحى "حلو" ..اللى هو لحد ما لونه يبقى ايه؟ ويعقد دى يعنى يبقى ماله؟ ويقفل الموضوع بخناقه عشان انا مش فاهمه وهى بتتكلم وشايفه انى مش مركزة معاها...

فى هذا الكتاب اللذيذ ( كتاب blink ) ...تفسير هذه الظاهرة وظواهر أخرى مشابهه..ظاهرة "الخبير" و معنى الخبرة ومنشأها..

عندك مثلا ...واقعة مذكورة فى الكتاب...لخبير فى الآثار اليونانية بيقيم تمثال أثرى مكتشف حديثا...الخبير بص للتمثال وقال دا مزيف...ليه؟ 

Something wrong about it..

فى حاجه غلط...شكل صوابعه فى حاجه غلط..بس مش قادر يحدد هى ايه او يصيغها فى نقط واضحة...بعد شهور من التحقق طلع التمثال فعلا مزيف...شهور من البحث لإثبات أو نفى رأى خبير مش قادر يصيغه فى كلام...

الكتاب بيشرح عملية تكون "الخبرة" ...و ازاى أنها تراكم للمعرفة والتعلم الدؤوب والملاحظات المستمرة...بتكون مجموعة من السيناريوهات المحتملة لكل حدث فى مخ الخبير و وسيلة التعامل معاها...الخبرة دى وتراكمها بيخلى معلومات معينة تدخل في نطاق ما تحت الوعى..هو مش بيفكر فيها خلاص...هو بينقل مستوى تركيزه وتفكيره للمستوى الأعلى ...زى ما يكون المخ عمل ملف جاهز للعمليات الذهنية الأوليه لحل مسأله أو مهارة معينه..عمليه جراحيه مثلا...الطبخ حتى...مخه معادش قادر يصيغ دا فى كلام..نظرا لأنه "عارف " و المعرفة دى نزلت لمستوى تحت الوعى وبقى التفكير فيها وحسمها فى نطاق التفكير الغير واعى...لو سألت الخبير "ايه الغلط فى صوابع التمثال" جايز وهو صغير كان شرحلك أن اتجاه النحت مثلا مش بتاع العصر دا أو أن الأدوات المستخدمة للنحت بالطريقة دى مكنتش موجوده في الوقت المنسوب له..لكن هو نفس الشخص ومع تكرار التعرض للمعلومة فى سيناريوهات كتير مختلفة ومتتاليه ..بقى مخه عارف ان الشكل دا مش بتاع العصر دا...ومش قادر يصيغها فى عبارات واضحة...لكن لو سألته عن مستوى أعلى من المعلومات ممكن ساعتها يبدأ يشرح بالأدلة...

ماما مكنتش عارفه تقولى ايه "شويه" بس هى عارفه الشويخ دول اد ايه..ولما حتقف مخها حيشتغل تلقائيا باللاوعى ويضبط كل حاجه والأكل يطلع تحفة..هى عارفه أن اللون الفلانى هو الصح...والشكل الفلانى صح

. لدرجه انها مبقتش تفكر....هى بتعمل وعارفه و بيطلع صح....

عشان كدا عملية التعلم هى عملية شاقة و طويلة وعايزه صبر.. مفيش حد حيتقن البرمجة فى ٣ اسابيع ولا يتحدث الإسبانية فى اربع ساعات...دا هراء من النوع الفاخر...

النقطه الثانيه فى تكون "الخبرة" هى القدرة على التنبؤ لمسارات الأحداث برده بدون صياغه واضحة....يقولك "مش حتنفع" و تطلع فعلا متنفعش...مش عشان هو حاوى..بس عشان مخه بقى بيستخدم لاشعوريا قوانين الاحتمالات مع استخدام المعرفه المتراكمة فى مخه..ويقولك هذه الجملة "قلت مينفعش" .. بعدين لما يقعد شويه يصيغها لك فى حيثيات....

الخبرة بتقصر الوقت اللازم لإنجاز المهام... للكتابة..للشغل...جزء من الشغل بيتنفذ spinal أو لا إراديا ...والباقى هو اللى بياخد باقى الحيز الذهنى ويبقى فى فرصة للابداع والتجديد...

طبعا فى خناقة..الخبرة ولا الدليل ؟ 

الاتنين...الخبرة بتفند الدليل و تنكشه وتزنقه عشان يصمد أمام الجدل..والدليل بيتبنى أصلا على خبرات متراكمة ويحاول يغيرها أو يثبتها أو يرجح غيرها...حالة من الحوار الدائم بتخلى الحياة تستمر وتتطور ومتقفش...

هو كتاب لذيذ و حلو...و يستحق القراءة فى وسط كتب كيف تغير حياتك فى خمس خطوات...وكيف تطير في ساعه وربع...

و قول ايه..مجبش سيرة الشغف ولا المشاغيف ولا الموتيفيشن يا واد يا طرى يا بتاع الموتيفيشن انت...

ابقى قابلنى لو فلحت..