في أرضِ السودان، الجراحُ بلا نوم،
والترابُ يئنُّ تحت أقدامِ الغائبين.
الطرقُ ممزقة،
والرياحُ تحاول عبثًا محوَ آثارِ الماضي.
لكن القلوب صامدة،
تزرع النورَ في العتمة،
وتحمل الفجرَ في العيون،
ولو انكسر الضوءُ ألف مرة.
شعبٌ يمشي بين الرمادِ والريح،
يمسح العرقَ عن جبينه،
ويمسح عن الوطنِ وجعه،
يحمل الجرحَ كنافذةٍ على كفه،
وينبتُ منها الأملُ كغصنٍ يرفض الموت.
همسوا لبعضهم: اصبروا…
فالليلُ مهما طال،
لا يملك القوة لحبس الفجر.
في زوايا المقاهي القديمة،
بين أقداحِ الشاي وذكريات الجالسين،
يولد الوعدُ من صمتِ الأصدقاء،
ويرتسم الحلمُ على الوجوه التي تعرف الطريق
ولو غاب الضوء عنها.
أيديهم نحو السماء،
كأغصانِ الدوم العارية تتشبث بالحياة.
حتى النخيلُ اليابسُ في المساء،
يهزُّ الريحَ بأغصانه،
كأنه يحيّي الصابرين
ويبارك أعمارهم.
وتحت شقوق الأرض،
تتنفس الحقول سرًّا،
تجمع ما تبقى من خضرتها،
وتخبئه لليومِ الذي يعود فيه المطر.
الأمهاتُ على العتبات،
يحفظن أسماء الغائبين،
ويخبزن الدعاءَ مع كل رغيف،
يمسحن دمعة،
ويقلن للأطفال:
“غدًا… سيكون الوطن أكثر دفئًا.”
وفي الأزقة الضيقة،
حيث رائحةُ الطينِ والوجع،
يمرّ الرجال،
كأنهم يجرّون الليل خلفهم،
لكنهم في آخرِ الخطوة،
يوقدون شمعة،
ليتذكر الطريق أنه لا يموت.
والنيل—ذاك العجوز الحكيم—
يبسط ضياءه على المدينة،
ويتمتم للعابرين:
“لا تنكسروا…
رأيتُ العصور كلَّها،
وما بقي إلا من صبر.”
وفي صدورهم
تكبر الحكاية القديمة:
أن الوطن، مهما تشتت،
يعود إلى أبنائه،
وأن الشعب، مهما انكسر،
ينهض من رماده،
كما تنهض السنابلُ بعد الحصاد.
ففي السودان…
حتى الحزنُ يملك ضوءًا،
وحتى الخراب
يترك مكانًا لزهرةٍ جديدة.






































