لابأس إن أخطأتَ في التمييز بين علم فلسطين وعلم السودان، فالواقع المرير الذي يعاني منه الشعبان يجعل التماهي بينهما سهلاً. فالحرب والنزاعات لا تفرق بين الألوان أو الأعلام، بل تترك أثرها البشع على كل إنسان يمر بها.
في غزة، يمشي الطفل بين أنقاض بيته، يرفع يديه بلا معنى، والدموع تترك خطوطها على وجنتيه الصغيرة. الأم تجلس على حافة الدرج المهدوم، تمسك بيد طفلها، تحاول جمع بقايا الطعام، وتحجب وجهها عن صرخات الرعب القادمة من الشارع. الرجل المسن يجلس على الأرض، يراقب السماء القريبة من الانفجار، ويهمس بأسماء أحبائه الذين فقدهم. المدارس مهدمة، والكتب محروقة، والأمل يختبئ بين الركام. الحياة اليومية أصبحت معركة: وجبة واحدة تكفي للبقاء، الصمت يكفي للرعب، والليل يحمل الخوف في كل زاوية. أيدي الجيران تمتد لبعضها، تقسم بقايا الطعام، وتشارك لحظات صغيرة من الابتسامة، كأنها تقول للحياة: نحن ما زلنا هنا.
وفي السودان، تعكس الوجوه المرهقة للنساء قصص النزوح. يحملن أواني الماء الثقيلة، يسيرون بين الخيام بحثًا عن أي أثر للطعام. الأطفال يمشون بأقدام عارية بين التراب المحروق، وجوههم تعكس الصمت الطويل، والعيون تبحث عن بصيص أمل. اليتامى يحملون وجوههم الباردة، والضحكات اختفت منذ زمن طويل. المدنيون يقعون ضحايا المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش، يتعرضون للقتل والتعذيب، وتنهب أموالهم وتروَّع عائلاتهم. المخيمات مزدحمة والخيام تفتقر لأبسط مقومات الحياة. كل شخص هنا يحمل قصة، كل عين تبكي، وكل يد تبحث عن شيء يخفف عن قلبها الجوع والعطش.
في كل من فلسطين والسودان، تتشابه المآسي: الموت يطرق الأبواب بلا استئذان، المدارس تتحول إلى ركام، المستشفيات تغص بالجرحى والمرضى. الأمهات يبكين فقدان أطفالهن، والآباء يبحثون عن مأوى لعائلاتهم وسط الخراب. ورغم كل هذا الألم، يظل هناك بصيص من الأمل. الناس يتكاتفون، يساعدون بعضهم البعض، ويحاولون بناء حياة جديدة من تحت الأنقاض. المنظمات الإنسانية تحاول الوصول إلى كل مكان، لتخفف المعاناة، رغم صعوبة الطريق وخطورة الميدان.
في النهاية، وجوههم ودموعهم وصمودهم تذكرنا بأن الإنسانية لا تموت. حتى في أعمق الظلام، هناك بصيص أمل، وحياة تُقاوم الموت يوميًا.






































