قالت: 

كنت أشعر معه بأن لي عمرا أصغر مما أنا عليه في الحقيقة، 

نمشي على طرقات المدينة الواسعة فنشعر أننا نمتلكها وكل مافيها مسخر للقائنا،وكأنها عالم لنا بمفردنا، نخطو بخفة كأننا نجري، لا تكاد أقدامنا تلامس أسفلت الطريق، تحلق قلوبنا عاليا فتحملنا معها بخفة ورشاقة حتى نكاد نلمس قبة السماء. 

كنت معه بوجه أكثر إشراقا وجسد أكثر رشاقة وعينين أكثر لمعة وجمالا، وعقل صحو متنبه مفكر في أشياء جميلة و طموحات كبيرة وقصور سنشيدها و بناء سنضع حجر أساسه، و زهرة نرويها بالخيال فتطرح أشجارا دون أن نعلم كيف سيحدث ذلك،  

حتى صوتي كان أفضل معه، لكن على مايبدو قرصانا سطا على سفننا فشردت عن مسار البحر وتاهت بين جبال القسوة والحقيقة، فماتت زهرتنا. 

قال: 

كنت معها دون أن أدري أكمل ذاتي، أنفتح على العالم وأعادي انغلاقي، كل مابي من اعتلالات تجد لها دواء فوري، كل الخيوط المتداخلة بعقلي تفكها وتعيد ترتيبها ببساطة بل تلونها بألوان زهرية مزركشة، تسمعني حتى في تكرار قصصي وحكاياتي كأنها تستمع لأول مرة، وتضحك على نكاتي السخيفة كأنها أفضل ماسمعت، تصفني كأني آخر رجال الأرض، تحبني كأنها ولدت وبقلبها إسمي. 

كنت معها كطفل صغير يحطم المرايا ثم يذهب لوالدته دون اعتذار 

فتفتح ذراعيها محتضنة عفريتها الصغير الذي يفسد الأشياء ولايعلم كيفية إصلاحها فتصلح هي بعناقها كل ماتكسر وتجمع الأجزاء الصغيرة بأصابعها دون الالتفات للجروح المتكونة بسبب شظايا تحطيمي، تغفر دون سؤال ودون منحي شعورا بأنها تغفر من الأساس حتى أنني بعد فترة لم أعد أشعر بأنني أحطم شيء، صرت أحطم وأستمر في التحرك دون هدوء أو انتظار لغفران، صار حقي المكتسب أن أمنحها الخذلان والإنكسار؛ حتى تكسر حضنها المتسع جراء الصبر وضاق بي، رحلت عنها حينما غضبت عيناها مني ولم أعد ارى فيهما مفتاحا للغفران، حينها لم أعرف طريق العودة فقد كانت تعيدني إليها كل مرة برفق ولين ومحبة أما الآن وقد أغلقت عني ستائر عينيها لم أجد مصباحا لينير لي طريق عودتي....فكتبت علي الوحدة والحيرة والتيه للأبد.