عاد بعد غياب لكنه لم يعد كما كان. شيء ما فيه تغير.
نظراته أصبحت مثقلة بما لا يُحكى، وملامحه تحمل آثار سنوات لم يكن فيها هنا.
حتى صوته بدا غريبا، كأنما عبر خلاله ألف طريق لم أعبره، كأنما حمل في نبراته حكايات لم أسمعها من قبل.
رأيته فاندفعت نحوه كما يفعل القلب حين يجد نبضه الضائع، لكن خطاي تباطأت قبل أن أصل.
شعرت للحظة أن الغياب لم يكن مجرد مسافة تُقطع، بل فجوة تتسع، جدار غير مرئي يفصل بين ما كنا عليه وما أصبحناه الآن.
أردت أن أسأله: كيف كنت؟
هل افتقدتنا؟
هل كنت تفكر في العودة، أم أن الأيام قذفتك نحونا دون قصد؟
لكنني التزمت الصمت، فبعض الأسئلة تؤلم أكثر من الإجابات.
جلس أمامي لكنه لم يكن هنا تماما.
كان هناك جزء منه لا يزال عالقاً في ذلك الغياب، لم يعد بعد، وربما لن يعود أبدا.
عرفت حينها أن الغائب حين يعود، لا يعود كما رحل، بل يعود غريبًا، حتى عن نفسه.